الذي تسميه العامة عرفة، فلم يزل هو والمسلمون في الذكر والدعاء إلى أن غربت الشمس، فدفع بهم إلى مزدلفة، فصلى المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق قبل حط الرحال، حين نزلوا بمزدلفة، وبات بها حتى طلع الفجر، فصلى بالمسلمين الفجر في أول وقتها، مغلسا بها زيادة على كل يوم، ثم وقف عند قزح، وهو جبل مزدلفة الذي يسمى المشعر الحرام، فلم يزل واقفا بالمسلمين إلى أن أسفر جدا، ثم دفع بهم حتى قدم منى، فاستفتحها برمي جمرة العقبة، ثم رجع إلى منزله بمنى، ثم أتى المنحر ونحر ثلاثا وستين بدنة من الهدي الذي ساقه، وأمر عليا فنحر الباقي وكان مائة بدنة، ثم حلق رأسه.
ثم أفاض إلى مكة، فطاف طواف الإفاضة، وكان قد عجل ضعفة أهله من مزدلفة قبل طلوع الفجر، فرموا الجمرة بليل. ثم أقام بالمسلمين أيام منى الثلاث، يصلي بهم الصلوات الخمس مقصورة غير مجموعة، يرمي كل يوم الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس، يستفتح بالجمرة الأولى - وهي الصغرى، وهي الدنيا إلى منى - والقصوى من مكة. ويختتم بجمرة العقبة، ويقف بين الجمرتين: الأولى والثانية، وبين الثانية والثالثة وقوفا طويلا بقدر سورة البقرة، يذكر الله ويدعو ; فإن المواقف ثلاث: عرفة، ومزدلفة، ومنى. ثم أفاض آخر أيام التشريق بعد رمي الجمرات هو والمسلمون، فنزل بالمحصب، عند خيف بني كنانة، فبات هو والمسلمون ليلة الأربعاء، وبعث تلك الليلة عائشة مع أخيها عبد الرحمن؛ لتعتمر من التنعيم، وهو أقرب أطراف الحرم إلى مكة، من طريق أهل المدينة. وقد بني بعده هناك