استأذن على المأمون بعض شيوخ الفقهاء، فأذن له، فلما دخل عليه رأى بين يديه رجلاً يهوديَّاً كاتباً، كانت له منزلة وقربه لقيامه بما يصرفه فيه ويتولاه من خدمته، فلما رآه الفقيه قال - وقد كان المأمون أومأ إليه بالجلوس -: أتأذن لي يا أمير المؤمنين في إنشاد بيت حضر قبل أن أجلس قال: نعم، فأنشده:
إنَّ الَّذي شرِّفت من أجله ... يزعم هذا أنَّه كاذب
وأشار إلى اليهوديّ، فخجل المأمون ووجم، ثم أمر حاجبه بإخراج اليهودي مسحوباً على وجهه، وأنفذ عهداً باطّراحه وإبعاده، وألاّ يستعان بأحد من أهل الذمة في شيء من أعماله. اسم الكتّاب بالفارسية ديوان، أي شياطين، لحذقهم بالأمور ولطفهم، فسمي الديوان باسمهم.
قال الزبير بن أبي بكر: كتب إليّ المغيرة بن محمد يستبطئ كتبي، فكتبت إليه:
ماغيَّر النَّأي ودَّاً كنت تعهده ... ولا تبدَّلت بعد الذكر نسيانا
ولا حمدت إخاءً من أخي ثقةٍ ... إلاَّ جعلتك فوق الحمد عنوانا
قال الله عز وجل: " وقد خاب من حمل ظلماً ".
وقال عزوجل: " ومن يظلم منكم نذقه عذاباً كبيراً ".
وفي صحف إبراهيم عليه السلام: اتق دعوة المظلوم، فإني لا أردّها، ولو كانت من كافر أقول: وعزتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منَّا من ظلم مسلماً أو ضرَّه أو عزَّه أو ناكره ". وروي عنه عليه السلام أنه قال: " ما تبالي حسَّنت جوراً أو دخلت فيه، وفتحت عدلا، أو خرجت منه ". وقد روي هذا من كلام علي رضي الله عنه فالله أعلم.
لمرة بن محكان في الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي:
؟؟ أحار تبيَّن في الأمور فإنَّه ... إذا الأمير عدا في الحكم أو فسدا
فإنَّك محلولٌ عليك وظاعنٌ ... فمهما تصبه اليوم تدرك به غدا
وقال آخر:
نخاف على حاكمٍ عادلٍ ... ونرجو، فكيف لمن يظلم
إذا جار حكم امرئٍ ملحدٍ ... على مسلمٍ هلك المسلم
الظلم في وضع كلام العرب: وضع الشيء في غير موضعه، وأخذ المرء ما ليس له، ومن ذلك قولهم: من أشبه أباه فما ظلم، أي ما وضع الشبه في غير موضعه.
فكل مسيءٍ ظالم، تقول العرب للمسيء المفرط في الإساءة: هذا أظلم من حية، وأظلم من ذئب، قال عمرو بن بحر: لأن الحية لا تتخذ لنفسها بيتاً، وهي تقصد كل بيت يصلح لها من بيوت الخشاش والهوامِّ فيهرب أهله عنه ويخلّونه لها خوفا منها.
قال مضرّس بن لقيط الفقعسي:
إذا قلت الداء بيني وبينهم ... أتى حاطبٌ منهم لآخر يقبس
لعمرك لو أنّي أخاصم حيّةً ... إلى فقعسٍ ما أنصفتني فقعس
فما لكم إليَّ كأنَّكم ... ذئاب الغضا والذئب بالَّليل أطلس
ويقولون أيضاً: هو أظلم من ذئب، وأظلم من ورل، كما يقولون: أظلم من حية، وذلك أن الورل يقوى على الحيات كلها، ويأكلها أكلا ذريعاً، وكل شدة يلقاها ذو جحر من الحية تلقى مثل ذلك من الورل، والورل ألطف بدناً من الضب، ولكنه أشد من الضب وأجود سلاحاً، وله شحمة والأعراب يستطيبون لحم ذنبه، والورل دابة خفيفة الرأس والحركات ذاهباً وجائياً، ويميناً وشمالاً، وليس شيء بعد العظاء شيء أكثر تلفتاً منه، وبراشن الورل أقوى من براشن الضب، حكى ذلك كله عمرو بن بحر.
قال: ومن أمثال العرب: من استرعى الذئب ظلم، وأنشد لبعض بني جعفر ابن كلاب يضرب المثل بجور الحية والذئب:
كأنَّني حين أحبو جعفراً مدحي ... أسقيهم طرق ماءٍ غير مشروب
ولو أخاصم أفعى نابها لثقٌ ... أو الأساود من صمِّ الأهاضيب
لكنتم معها إلباً وكان لها ... نابٌ بأسفل ساقٍ أو بعرقوب
ولو أخاصم ذئباً في أكيلته ... لجاءني كلُّهم يسعى مع الذيب
قال بعض الحكماء: أعجل الأمور عقوبة وأسرعها لصاحبها: سرعة ظلم من لا ناصر له إلا الله، ومجاورة النعم بالتقصير، واستطالة الغنيّ على الفقير.
روي عن مجاهد أنه قال: المعلم إذا لم يعدل بين الصبيان كتب من الظلمة.