إنما شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية حرب الفجار، وظهرت العرب على الفرس يوم ذي قار، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا فيها مظلومين.
فأما حرب الفجار فكانت بين بني عامر بن صعصعة وبين قريش، وذلك أن بني عامر بن صعصعة طالبوا أهل الحرم من قريش وكنانة، بجريرة البرَّاض بن قيس في قتله عروة الرجال، وكان البراض خليعاً فاتكاً، فأقامهم إلى حربهم، فألزموهم ذنب غيرهم ظالمين لهم، فلذلك شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم دافعوا عن أنفسهم وديارهم وأموالهم، ونصروا بحضور النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك نصرت العرب على فارس يوم ذي قار برسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي: كانت وقعة ذي قار قبل وقعة بدر بأشهر، والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فلما بلغه ذلك، قال: " هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم ".
قال هشام: حدثني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: ذكرت وقعة ذي قار عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: " ذلك أوّل يومٍ انتصفت فيه العرب من العجم ".
خرج الأضبط بن قريع السعدي من بني سعد، فجاور ناساً، فلما رأى مذهبهم وظلمهم لم يحمدهم ورجع إلى قومه، وقال: بكل واد بني سعد، فأرسلها مثلا.
وقال الأشعر الرَّقبان الأسدي في قصيدة له:
وأنت مليخٌ كلحم الحوار ... فلا أنت حلوٌ ولا أنت مرّ
وحسبك في النَّاس أن يعلموا ... بأنَّك فيهم غنيٌّ مضرّ
ومن أمثالهم: من لم يكن ذئباً أكلته الذئاب، وكان الشعبي إذا تمثل بذلك يقول ومن ذا الذي يرضى أن تأكله الذئاب.
ولعبيد بن أيوب وكان قد تاب فظلم، فهم بمراجعة الضلال، فقال:
ظلمت الناس فاعترفوا بظلمي ... فتبت فأزمعوا أن يظلموني
فلست بصابرٍ إلا قليلاً ... فإن لم يرعووا راجعت ديني
قال زهير:
..ومن لا يظلم النَّاس يظلم
أخذه ابن دريد فقال:
من ظلم النَّاس تحاموا ظلمه ... وعزَّ عنه جانباه واحتمى
وقال المتنبي:
والظُّلم من شيم النُّفوس فإن تجد ... ذا عفَّةٍ فلعلَّةٍ لا يظلم
وله أيضاً:؟
ومن عرف الأياَّم معرفتي بها ... وبالنَّاس روَّى رمحه غير راحم
وهذه الأخلاق أخلاق الفسّاق، ومن لم يتأدب بأدب القرآن، ولا استن بسنن الإسلام في الأخذ بالعفو والصفح والرحمة والرأفة، وأين قول المتنبي من قول محمود الوراق:
إنِّي وهبت لظالمي ظلمي ... وغفرت ذاك له على علمي
ورأيته أسدى إليَّ يداً ... فأبان منه بجهله حلمي
رجعت إساءته عليَّ له ... حسناً فعاد مضاعف الجرم
وغدوت ذا أجرٍ ومحمدةٍ ... وغدا بكسب الذَّمِّ والإثم
فكأنَّما الإحسان كان له ... وأنا المسيء إليه في الحكم
مازال يظلمني وأرحمه ... حتَّى بكيت له من الظُّلم
وله أيضاً:
اصبر على الظُّلم ولا تنتصر ... فالظُّلم مردودٌ على الظَّالم
وكل إلى الله ظلموماً فما ... ربِّي عن الظَّالم بالنَّائم
وقال آخر:
نامت جفونك والمظلوم منتبهٌ ... يدعو عليك وعين الله لم تنم
وقال آخر:
ومامن يدٍ إلاَّ الله فوقها ... ولا ظالمٌ إلاَّ سيبلى بظالم
وقال آخر:
فإن قلتم إنَّا ظلمنا فلم نكن ... ظلمنا ولكنَّا أسأنا التَّقاضيا
وقال آخر:
تأنَّ ولا تعجل وكن مترفِّقا؟ ً ... وكن راحماً بالنَّاس تبلى براحم
كان يقال: إذا دعتك الضرورة إلى ظلم من هو دونك فاذكر قدرة الله تعالى على عقوبتك، فأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.
قال الشاعر:؟ ونستعدي الأمير إذا ظلمنا فمن يعدي إذا ظلم الأمير
إذا كان الأمير عليك خصماً ... فلا تكثر فقد غلب الأمير
وقال آخر:
والخصم لا يرتجى النَّجاح له ... يوماً إذا كان خصمه القاضي
وقال آخر:
من يكن القاضي أباه فليبت ... في راحةٍ من خصمه لا يلتفت