والعالم والكون والمستقبل وقوانين الحركة الاجتماعية والتاريخية, ولا يمكن اعتبار الإسلام مجرد بناء إيديولوجي في مجال التنمية, مثله مثل الإيديولوجيات الوضعية؛ ذلك لأنه يصوغ بناء ثقافيًّا شاملًا، كما يصوغ منهجًا متكاملًا في الحياة, وكما يشير "إلياس بايونس" و"فريد أحمد" في مؤلفهما الصغير حول "مقدمة في علم الاجتماع الإسلامي" فإن الإسلام ليس مجرد صيغة من الشعائر الشكلية, ولكنه عملية طاعة لحكم الله في إطار علاقة الإنسان بالله, والعلاقة القائمة بين الناس سواء في مجال الأسرة أو الحكم والاقتصاد والتعليم والترفيه والتكاثر, وكل تلك الأمور التي تضمن استمرار الحياة الاجتماعية المتكاملة والمتفاعلة على وجه الأرض54, ويشير الكاتبان إلى أن الدول الإسلامية التي حاولت على مدى أكثر من ربع قرن اتباع أساليب رأسمالية أو اشتراكية في التنمية، لم تختف داخلها مشكلات التخلف، إلى جانب وقوعها في مشكلات مزعجة مثل مشكلة الديون, وهي مشكلة عويصة, لدى الدول التي تأخذ بالأسلوب الرأسمالي في التنمية، ومشكلة العجز البيروقراطي والتسلط الذي نجم عنه تبديد الموراد الوطنية وغرس الإحساس بالغربة بين العمال، لدى الدول التي تأخذ بالأسلوب الاشتراكي في التنمية, والنتيجة تعريض الاستقلال السياسي الذي كافحت من أجله الشعوب للخطر55, وقد أشار "ميردوك Merdock" إلى عنصر الفساد "الرشوة والاختلاس والغشّ في الأموال الحكومية, والتحايل على القوانين, والحصول على خدمات غير قانونية, والتعقيدات الروتينية في بعض الدول النامية، التي أطلق عليها مصطلح الدول النامية", ويرى "بايونس" و"فريد أحمد" أن معظم الدول الإسلامية تندرج تحت هذا التصنيف56. وهذه الأمراض السياسية والبيروقراطية من شأنها تعويق عمليات التنمية داخل هذه الدول.
ويتميز النموذج الإسلامي للتنمية, فوق ذاتيته المتميزة والمستمدة من تطبيق الشريعة التي أرادها الله للإنسان منهجًا وأسلوب حياة، فإنها تحقق