الإشباع المتوازن لحاجات الإنسان المادية والروحية، وكما يقول الباحثان المذكوران أن أي جهد يخلو من إرضاء الجانب الروحي في الإنسان، لا يخلف وراءه إلا الإحساس بالمرارة وعدم الرضا، رغم كل مظاهر التقدم المادي التي يمكن تحقيقها57. والنموذج الإسلامي يرفض التطرف بكل أشكاله المادية "الغربية والماركسية", والروحية -الرهبنة, وإذلال الجسد, وعدم التمتع بكل الطيبات والزينة الحلال- وهذا يعني أن هذا النموذج يركز على توفير بيئة سياسة واجتماعية واقتصادية قادرة على إشباع مطالب الإنسان المادية والروحية بشكل متوازن, ولعل غياب هذا الأمر هو الذي يفسح المجال للتطرف بكل أشكاله المادية والروحية, وإذا كان علم الاجتماع لم يستطع أن يصبح حتى الآن علمًا موضوعيًّا بعيدًا عن الانحيازات الإيديولوجية إلا في أقل القليل, وفي بعض المجالات, فإن التنمية تتضمن بالضرورة أحكامًا قيمية ومعيارية؛ لأنها تشير إلى إحداث تحولات من حالة غير مرغوب فيها إلى حالة مرغوب فيها, وهنا يصبح على المشتغلين بعلم الاجتماع من المسلمين تحقيق نوع من الالتقاء الضروري بين علم الاجتماع الذي يفترض فيه الحيدة العلمية, وبين متطلبات الشريعة الإسلامية، خاصة عند صياغة استراتيجية التنمية وبرامجها وأهدافها, يضاف إلى هذا, فإنهم مطالبون بالإسهام في رسم استراتيجية التغير الاجتماعي وتوجيهه بما لا يتعارض مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية, وهم مطالبون ثالثًا بتشخيص المشكلات الاجتماعية في الدول النامية وتفسيرها في ضوء معطيات الإسلام وحقائقه، ورسم سبل مواجهتها بما يتفق -أو على الأقل بما لا يتعارض- مع الشريعة الإسلامية، وهم مطالبون رابعًا بالإسهام في إرساء الأسس الاجتماعية للدعوة الإسلامية استنادًا إلى حقائق الإسلام ومعطيات العلوم الاجتماعية الحديثة فيما يتعلق بديناميات العلاقات الاجتماعية, وأسس بناء وتغير القيم والاتجاهات والسلوك، وديناميات ممارسة القوة والتأثير داخل المجتمعات ...