له إلزام العاملين الراغبين عن العمل الذي يجيدونه على ممارسة هذا العمل إذا قتضت المصلحة ذلك, "وهذا ما ذكره ابن القيم الجوزية في كتابه الطرق الحكيمة"، فبعض الأعمال قد تكون فرض عين على بعض الأشخاص القادرين عليها في حالة الاحتياج إليها, وعدم وجود غيرهم, وللفقهاء كلام دقيق في هذه الجوانب, وينبه الإسلام إلى خطورة البطالة لما يمكن أن تؤدي إليه من انحرافات فكرية وسلوكية, فقد قال الإمام أحمد: "إذا جلس الرجل ولم يحترف دعته نفسه إلى أن يأخذ ما في أيدي الناس". والإسلام يحارب البطالة في كل أشكالها -بشرط القدرة على العمل- حتى لدى غير المسلمين داخل الدولة الإسلامية -واقعة مع اليهودي- وهذا من شأنه توجيه الطاقة البشرية داخل المجتمع نحو التنمية والعمل المنتج المثمر44.
ثاني عشر: يسعى الإسلام إلى القضاء على التبعية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع المسلم, وهذا هو غاية التنمية الاقتصادية والاجتماعية كما تعالجها جميع الاتجاهات النظرية المتصارعة, فالمبدأ الإسلامي الذي يذهب إلى أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, والحياة الاقتصادية تتطلب ثلاثة أنشطة وهي الزراعة والصناعة والتجارة, ولهذا وجب تنمية هذه المجالات والتنسيق بينها45 بشكل يحقق النمو والاستقلال الاقتصادي, وقد أوضح ابن تيمية في كتابه "الحسبة" أن واجب الدولة أن تتداخل بالتنظيم والإجبار؛ لإيجاد حاجات الأمة من الصناعات والزراعات والمرافق المعاشية العامة، وإعداد من يصلحون لها ويقومون بها, ويشير ابن تيمية "إلى ضرورة تدخل الدولة في تحديد أجور العمال, وتحديد أسعار السلع في حالة المغالاة", وهذا ما ذكره الشيخ محمود شلتوت في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة", وهذا يشير إلى أن الإسلام سبق كل الاتجاهات الحديثة في الأخذ بمبدأ التوجيه الاقتصادي, وتطبيق الاقتصاد الموجه تحقيقًا للتوازن بين الفردية والجماعية, وتحقيقًا للنمو الاقتصادي والاجتماعي للإنسان والمجتمع في ضوء العدالة والمساواة والأخوة بمفهومها الإسلامي الصحيح, وليس بالمفهوم الليبرالي أو الماركسي القاصر.