ويقر الإسلام حقيقة التفاوت الفطري بين الناس في القدرات والاستعدادات والأرزاق والثروات, قال تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْق} [النحل: 71] , ويقول تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف:32] , وهذا التفاوت هو الدافع إلى العمل والاجتهاد والسعي وبذل الجهد؛ للتنمية, وتحسين الأحوال, ومدخل للتنافس الشريف الذي يحقق المزيد من التنمية, والذي يعود بالمصلحة على الفرد والمجتمع معًا. ويضبط الإسلام هذا التنافس بضوابط محكمة تحول دون تحوله إلى صراع مدمر كما حدث في التجربة الأوروبية للتنمية خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر، كما تحول دون التعارض مع الفطرة كما حدث في تجربة التنمية في الدول الماركسية.
حادي عشر: للإسلام أسلوبه المتميز في مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، فمواجهة مشكلة الفقر تقوم على عدة أسس منها: تمكين كل قادر على العمل أن يعمل, وهذا واجب من واجبات الدولة، سواء أكان العمل يدويًّا أو ذهنيًّا, وقد كرم الإسلام كلًّا من العملين حتى لا يكون هناك احتقار للعمل اليدوي, وبالتالي لا يوجد تفاوت بين الناس مصدره طبيعة العمل, فكل الأعمال مكرمة طالما أنها شريفة42, والإسلام يتيح الفرصة لكل ذي موهبة وقدرة من الانتفاع بموهبته وقدرته، وفي هذا ما يحقق النمو للفرد وللمجتمع معًا, وبالنسبة للعاجزين عن الكسب بسبب الشيخوخة أو المرض أو الأنوثة أو الصغر أو اليتم, فإن الإسلام يؤمن لهم حياة كريمة عزيزة عن طريق عدة مصادر منها: الزكاة المفروضة، والنفقات الواجبة، والكفارات, والصدقات، ثم هناك بيت مال المسلمين, وللفقير حق في هذا المال يعطى منه بانتظام43, ويواجه الإسلام مشكلة التمايز والصراع الطبقي حيث يوضح حقيقة أن الإنسان هو أكرم المخلوقات, وأن الله قد كرمه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم} الآية. [الإسراء: 70] , وأن الناس كلهم يرجعون إلى أصل واحد وهو آدم، وآدم من تراب, وأن معيار التمايز بين البشر ليس هو اللون أو الثراء أو