ولا تكلفوهم ما لا يطيقون, فإن كلفتموهم, فأعينوهم"، وللفقهاء حديث طويل حول علاقات العمل في الإسلام, وقد ذهب بعض الباحثين كالإمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" إلى أنه على ولي الأمر أن يضمن عملًا لكل عضو قادر على العمل من أبناء المجتمع، واستنتج ذلك من أن الرسول عليه السلام "أعطى رجلًا قدومًا ودرهمًًا وأمره أن يحتطب", أما بالنسبة للعجزة والشيوخ فإن من واجب الدولة تأمين حاجتهم المعيشية كاملة, وهكذا سبق الإسلام مفاهيم التأمين والضمان الاجتماعي, ولكن بشكل أكثر تحديدًا وانضباطًا, فالإسلام يؤمن الإنسان على أكله وشربه ولبسه ونفقات أسرته من خلال العمل, ويؤمنه ضد البطالة والعجز والشيخوخة, وللفقهاء حديث حول أسلوب تحديد الأجر، فكل أجر لا يفي العامل حاجاته الأساسية "المأكل, والمشرب, والمسكن, والملبس"، ولا يقره الإسلام، وإلى جانب هذه الحاجات الأساسية ينبغي أن يؤمن للعامل متطلبات النمو الاجتماعي المشروع: كالتعليم, ومواجهة الأمراض من خلال العلاج ... إلخ40.
عاشرًا: يقوم الاقتصاد الإسلامي على أساس واقعي أخلاقي, فهو يؤكد أهمية التعاون والتكافل من أجل التنمية والاستثمار وتحقيق التقدم والتوازن الاجتماعي, غير أن هذا ليس معناه تحقيق المساواة الحسابية الكاملة بين الناس, وجعل الأغنياء والفقراء سواء -كما يدعي بعض أصحاب المذاهب الاقتصادية الوضعية الطوبائية- فالإسلام دين الفطرة يعترف بالواقع, وبالتفاوت بين الأفراد في الملكات والمذاهب والذكاء والقدرات والجهد, فلكل سعيه وجهده ومقدرته وخبرته, وقد بحث بعض الفقهاء مثل أبي عبيد القاسم في كتابه "الأموال", وأبي يوسف في كتابه "الخراج" في القوانين الاقتصادية على أساس تحقيق العدالة الاجتماعية والفرصة المتكافئة بين الناس عامة41, مع ترك المواهب والقدرات الذهنية والبدنية تعمل في نطاق الغاية العظمى وعدم التعسف, قال عمر بن الخطاب: "الرجل وبلاؤه, الرجال ووفاؤه, الرجل وقدمه, الرجل وحاجته".