وينفع غيره وينتفع ... فهو كائن مسئول مكلف، ولا بد من بيئة تحضيرية يكون للإنسان فيها هيمنة له عليها قوامة، وله بها رباط لا يستطيع بمقتضى الشعور بهذا الرباط أن يتحلل منه، وأن يلقي به عن عاتقه. هذه البيئة هي التدريب العلمي على تحمل المسئولية، وذلك الرباط -الذي هو بمثابة المدرسة الأساسية للمسئولية- هو رباط الزواج. ولعل أقرب ما يوحى بهذا المعنى من كلام الله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [أول سورة النساء] . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] .
ويعدّ الزواج في نظر الإسلام عقداً -ولكنه عقد أطلق عليه الميثاق لأهميته وما يترتب عليه من علاقات هي أساس تكوين أسرة وإنجاب أبناء وترتيبهم وميراث ... إلخ- ويتم الزواج بتوافر الإيجاب والقبول مع توافر الشهود، لأن الإيجاب والقبول يعني موافقة الرجل والمرأة بإرادتهما الحرة، مع ضرورة توافر الشهود. ولا يشترط في عقد الزواج أن يتم على يد أحد رجال الدين، كما لا يشترط أن يتم بمكان معين -كما هو الحال في المسيحية التي تستوجب إتمام عقد الزواج في الكنيسة على يد القسيس -ولا يعد العقد كاملًا وملزماً إلا إذا ما توفرت له الشروط الإسلامية كالشهود، وعدم كون المرأة محرمة على الرجل تحريماً مؤبداً أو مؤقتاً. وقد حدد التشريع الإسلامي أنواع المحرمات من النساء على وجه التأبيد، كالمحرمات عن طريق القرابة أو المصاهرة أو الرضاعة، بالإضافة إلى بعض المحرمات على وجه التأقيت، وهؤلاء يزول تحريمهن إذا زال السبب الذي أدى إلى التحريم كالجمع بين محرمين أو معتدة الغير أو المرأة التي لا تدين بدين سماوي2.
ومن شدة اهتمام الإسلام بالزواج جعله ميثاقاً يجب على الإنسان أن