فلا تعلمهم، فإنهم يستفيدون منك علمًا ويصبحون لك أعداء، إلا إذا تعلق ذلك بمعصية يقارفونها عن جهل منهم، فاذكر الحق بلطف من غير عنف.

وإذا رأيت منهم كرامة وخيرًا فاشكر الله الذي حببك إليهم. وإذا رأيت منهم شرًا فكلهم إلى الله تعالى واستعذ بالله من شرهم، ولا تعاتبهم، ولا تقل لهم: لمِ لَم تعرفوا حقي وأنا فلان بن فلان وأنا الفاضل في العلوم؟! فإن ذلك من كلام الحمقى، وأشد الناس حماقة من يزكي نفسه ويثني عليها.

واعلم أن الله تعالى لا يسلطهم عليك إلا بذنب سبق منك، فاستغفر الله من ذنبك، واعلم أن ذلك عقوبة من الله تعالى.

وكن فيما بينهم سميعًا لحقهم، أصم عن باطلهم، نطوقًا بمحاسنهم، صموتًا عن مساويهم، واحذر مخالطة متفقهة الزمان، لا سيما المشتغلين بالخلاف والجدال.

واحذر منهم؛ فإنهم يتربصون بك ـ لحسدهم ـ ريب المنون، ويقطعون عليك بالظنون، ويتغامزون وراءك بالعيون، ويحصون عليك عثراتك في عشرتهم حتى يجبهوك بها في حال غيظهم ومناظرتهم، لا يقيلون لك عثرة، ولا يغفرون لك زلة، ولا يسترون لك عورة. يحاسبونك على النقير والقطمير، ويحسدونك على القليل والكثير، ويحرضون عليك الإخوان بالنميمة والبلاغات والبهتان. إن رضوا فظاهرهم الملق، وإن سخطوا فباطنهم الحنق، ظاهرهم ثياب، وباطنهم ذئاب.

هذا ما قطعت به المشاهدة على أكثرهم إلا من عصمه الله تعالى. فصحبتهم خسران، ومعاشرتهم خذلان.

هذا حكم من يظهر لك الصداقة، فكيف من يجاهرك بالعداوة؟!.

قال القاضي ابن معروف رحمه الله تعالى:

فاحذر عدوك مرة ... واحذر صديقك ألف مرة

فلربما انقلب الصديق ... فكان أعرف بالمضرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015