وأما القسم الثالث وهم المعارف: فاحذر منهم فإنك لا تر الشر إلا ممن تعرفه. أما الصديق فيعينك، وأما المجهول فلا يتعرض لك، وإنما الشر كله من المعارف الذين يظهرون الصداقة بألسنتهم.
فأقلل من المعارف ما قدرت، فإذا بليت بهم في مدرسة أو مسجد أو جامع أو سوق أو بلد فيجب ألا تستصغر منهم أحدًا، فإنك لا تدري لعله خير منك، ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم في حال دنياهم فتهلك؛ لأن الدنيا صغيرة عند الله تعالى صغير ما فيها، ومهما عظم أهل الدنيا في قلبك فقد سقطت من عين الله تعالى، وإياك أن تبذل لهم دينك لتنال به من دنياهم، فلا يفعل ذلك أحد إلا صغر في أعينهم ثم حُرِمَ ما عندهم.
وإن عادوك فلا تقابلهم بالعداوة؛ فإنك لا تطيق الصبر على مكافأتهم فيذهب دينك في عداوتهم، ويطول عناؤك معهم، ولا تسكن إليهم في حال إكرامهم إياك وثنائهم عليك في وجهك
وإظهارهم المودة لك، فإنك إن طلبت حقيقة ذلك لم تجد في المائة واحداً، ولا تطمع أن يكونوا لك في السر والعلن واحدًا. ولا تتعجب إن ثلبوك في غيبتك، ولا تغضب منه؛ فإنك إن أنصفت وجدت من نفسك مثل ذلك حتى في أصدقائك وأقاربك، بل في أستاذك ووالديك. فإنك تذكرهم في الغيبة بما لا تشافههم به. فاقطع طمعك عن مالهم وجاههم ومعونتهم؛ فإن الطامع في الأكثر خائب في المال، وهو ذليل لا محالة في الحال.
وإذا سألت واحدًا حاجة فقضاها فاشكر الله تعالى واشكره، وإن قصر فلا تعاتبه ولا تشكه فتصير عدواة له، وكن كالمؤمن يطلب المعاذير، ولا تكن كالمنافق يطلب العيوب. وقل: لعله قصر لعذر له لم أطلع عليه.
ولا تعظن أحدًا منهم ما لم تتوسم فيه أولاً مخايل القبول، وإلا لم يستمع منك وصار خصمًا عليك، وإذا أخطئوا في مسألة وكانوا يأنفون من التعلم منك