ويأتي بعد ابن وضاح أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد القرطبي (201 - 276 هـ)، وله رحلتان إلى المشرق استغرق في الأولى عشرين سنة، وفي الثانية أربع عشرة سنة، وقد كانت الحصيلة العلمية لهاتين الرحلتين هامة، ويرجع الفضل لبقي بن مخلد في إدخال كثير من الكتب إلى الأندلس، منها: مصنف ابن أبي شيبة، كما كان له مزية الانتقال الفعلي للمغاربة من الإنكباب على الفقه المالكي بفروعه إلى دراسة الكتاب والسنة، واستخلاص الأحكام من هذين الأصلين، وقد ألف في التفسير والحديث وطبقات الصحابة. (?)

ومن أعلام المحدثين بعد هذه الفترة قاسم بن أصبغ البيَّاني (244 - 340 هـ)، وهو الآخر من الذين ارتحلوا إلى المشرق، وجابوا الآفاق، وأخذوا عن كبار محدثي العصر، وإليه يرجع الفضل في إدخال كثير من كتب الحديث وتواريخ الرجال إلى الأندلس؛ مثل: كتاب التاريخ لأحمد بن زهير بن حرب، كما أنه بلغ شأوا عالياً في علم الحديث، له مصنفات قيمة؛ منها مصنفه الخرج على كتاب أبي داود، وغيره. اشتغل بالإقراء والتحديث، ولما طال عمره في ذلك صارت الرحلة تشد إليه، فاجتمع في الأخذ عنه الكبار والصغار، والشيوخ والكهول والأحداث. (?)

وممن اشتهر من المحدتين المغاربة آنذاك: أبو القاسم، خالد بن سعد القرطبي (ت 352 هـ)، وكان له شأو وأي شأو في علم الحديث، حتى إن الحكم الستنصر (302 - 366 هـ) كان يقول في حقه: "إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى ابن معين (ت 233 هـ) فاخرناهم بخالد بن سعد". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015