أَوَّلًا ثُمَّ هَذِهِ تَسْتَتْبِعُ التَّفْهِيمَ وَالِاسْتِنْبَاطَ وَلَا مَطْمَعَ فِي الْوُصُولِ إلَى الْبَاطِنِ قَبْلَ إحْكَامِ الظَّاهِرِ انْتَهَى.
ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ ضَعِيفٌ لِمَا فِيهِ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَامِرٍ الْكُوفِيُّ وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي الْفَيْضِ
(وَفِي رِوَايَةٍ) لِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي» لَا تُحَدِّثُوا عَنِّي «إلَّا مَا عَلِمْتُمْ» بِمَعْرِفَةِ صِحَّةِ النِّسْبَةِ إلَيَّ وَعَنْ الطِّيبِيِّ أَيْ احْذَرُوا رِوَايَةَ الْحَدِيثِ عَنِّي أَوْ احْذَرُوا مِنْ الْحَدِيثِ عَنِّي لَكِنْ لَا تَحْذَرُوا مِمَّا تَعْلَمُونَهُ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ عُرْفًا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَوْ فِعْلِهِمْ أَوْ تَقْرِيرِهِمْ وَقَدْ يُخَصُّ بِمَا يُرْفَعُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِ وَأَهْلُهُ النَّقَلَةُ الْمُعْتَنُونَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ «فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» أَيْ فَلْيَتَّخِذْ لَهُ مَحَلًّا فِيهَا لِيَنْزِلَ فِيهِ أَمْرٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ أَوْ دُعَاءٌ أَيْ بَوَّأَهُ اللَّهُ ذَلِكَ فَالتَّبَوُّأُ اتِّخَاذُ الْمَنْزِلِ، وَالْمَقْعَدُ مَحَلُّ الْقُعُودِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْأَمْرُ لِلتَّهَكُّمِ وَالتَّغْلِيظِ إذْ لَوْ قَالَ مَقْعَدُهُ فِي النَّارِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَالْكَذِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَةِ وَالْعَظَائِمِ الْمُهْلِكَةِ لِإِضْرَارِهِ بِالدِّينِ وَإِفْسَادِ أَصْلِ الْإِيمَانِ وَعُمُومُ الْخَبَرِ يَشْمَلُ الْكَذِبَ فِي غَيْرِ الدِّينِ وَمَنْ خَصَّهُ بِهِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ كَذَا فِي الْفَيْضِ (وَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ خِبْرَةٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَوُجُوهِ اسْتِعْمَالَاتِهَا فِي نَحْوِ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ وَمُجْمَلٍ وَغَيْرِهَا مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ وَمُتَعَلِّقَاتِ التَّفْسِيرِ وَقَوَانِينِ التَّأْوِيلِ كَذَا فِي الْفَيْضِ
أَقُولُ تَفْصِيلَةُ مَا فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ لَعَلَّهُ مِنْ الْإِتْقَانِ أَنَّهُ قَالَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَاطَى تَفْسِيرَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَدِيبًا مُتَّسِعًا فِي مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ وَالْفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَالْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ لِمَنْ جَمَعَ الْعُلُومَ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمُفَسِّرُ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ:
الْأَوَّلُ: اللُّغَةُ قَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِلُغَاتِ الْقُرْآنِ وَلَا يَكْتَفِي بِالْيَسِيرِ.
الثَّانِي: النَّحْوُ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتَغَيَّرُ بِاخْتِلَافِ الْإِعْرَابِ.
الثَّالِثُ: الصَّرْفُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْرِفَةَ الْأَبْنِيَةِ وَالصِّيَغِ.
الرَّابِعُ: الِاشْتِقَاقُ لِأَنَّ الِاسْمَ إذَا اُشْتُقَّ مِنْ مَادَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى بِاخْتِلَافِهِمَا كَالْمَسِيحِ هَلْ هُوَ مِنْ السِّيَاحَةِ أَوْ الْمَسْحِ.
الْخَامِسُ: الْمَعَانِي.
السَّادِسُ: الْبَيَانُ.
السَّابِعُ: الْبَدِيعُ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْأَوَّلِ تَوْفِيَةُ خَوَاصِّ تَرَاكِيبِ الْكَلَامِ حَقَّهَا مِنْ الْمَقَامِ وَبِالثَّانِي مِنْ حَيْثُ تَفَاوُتُهَا بِحَسَبِ زِيَادَةِ الدَّلَالَةِ وَنُقْصَانِهَا وَبِالثَّالِثِ وُجُوهُ تَحْسِينِ الْكَلَامِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ عُلُومُ الْبَلَاغَةِ الَّتِي مِنْ أَعْظَمِ أَرْكَانِ الْمُفَسِّرِ قَالَ السَّكَّاكِيُّ فَالْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ لِمَنْ تَعَاطَى التَّفْسِيرَ وَهُوَ فِيهِمَا أَيْ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ رَاجِلٌ وَأَمَّا الْبَدِيعُ فَمِنْ جِهَاتِ الْحُسْنِ.
الثَّامِنُ: عِلْمُ الْقِرَاءَةِ إذْ بِهِ يَتَرَجَّحُ بَعْضُ الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ عَلَى بَعْضٍ
التَّاسِعُ: أُصُولُ الدِّينِ إذْ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا يَجُوزُ ظَاهِرُهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَيَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ.
الْعَاشِرُ: أُصُولُ الْفِقْهِ إذْ بِهِ يُعْرَفُ وَجْهُ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: أَسْبَابُ النُّزُولِ إذْ لَا يَطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَعْنَى إلَّا بِهَا.
الثَّانِيَ عَشَرَ: النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ لِيَعْلَمَ الْمُحْكَمَ مِنْ غَيْرِهِ.
الثَّالِثَ عَشَرَ: الْفِقْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ الْأَحَادِيثُ الْمُبَيِّنَةُ لِتَفْسِيرِ الْمُجْمَلِ وَالْمُبْهَمِ.
الْخَامِسَ عَشَرَ: عِلْمُ الْمَوْهِبَةِ وَهُوَ عِلْمٌ يُورِثُهُ اللَّهُ لِمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ كَمَا أُشِيرَ فِي حَدِيثِ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ فَهَذِهِ هِيَ الْعُلُومُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعَاطِي التَّفْسِيرِ بِدُونِ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمَنْ فَسَّرَ كَانَ مُفَسِّرًا بِالرَّأْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قُلْت وَإِيَّاكَ أَنْ تَسْتَشْكِلَ عِلْمَ الْمَوْهِبَةِ اغْتِرَارًا بِمَا سَمِعْت مِنْ أَقْوَالِ الْمُنْكَرِينَ فَتَأَمَّلْ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَحَدِيثَ «مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فُجِّرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» إلَّا أَنَّ الزَّمَانَ لَمَّا خَلَا عَنْ الْعِلْمِ وَذَوِيهِ وَعَنْ الْعِرْفَانِ وَمُنْتَحِلِيهِ وَبَارَ أَهْلُ الْفَضْلِ وَكَسَدَ سُوقُ الْقَوْلِ الْفَصْلِ تَرَأَّسَ الْجُهَّالُ وَأَكْثَرُوا الْقِيلَ وَالْقَالَ وَلَكِنْ لِلْحُرُوبِ رِجَالٌ وَلِلثَّرِيدِ رِجَالٌ انْتَهَى مُلَخَّصًا