فَوَافَقَ هَوَاهُ الصَّوَابَ دُونَ نَظَرٍ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ وَمُرَاجَعَةِ الْقَوَانِينِ الْعِلْمِيَّةِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وُقُوفٌ عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ وَوُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ وَمُجْمَلٍ وَمُفَصَّلٍ وَعَامٍّ وَخَاصٍّ وَعِلْمٍ بِأَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَاتِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْهَا وَتَعَرُّفٍ لِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ وَتَأْوِيلَاتِهِمْ كَذَا فِي الْفَيْضِ «فَقَدْ أَخْطَأَ» فِي حُكْمِهِ عَلَى الْقُرْآنِ بِمَا لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَهُ وَشَهَادَتُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُرَادُهُ أَمَّا مَنْ قَالَ فِيهِ بِالدَّلِيلِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ تَأْوِيلٍ فَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَمَّا لَمْ يَتَفَطَّنْ بَعْضُ النَّاسِ لِإِدْرَاكِ هَذَا الْمَعْنَى بِالنَّظَرِ إلَى مُطَابِقَتِهِ لِلْوَاقِعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْخَطَأِ بِالنَّظَرِ إلَى إقْدَامِهِ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ فَلَا تَنَافِيَ تَتِمَّةُ الْحَدِيثِ «وَمَنْ قَالَ فِيهِ بِرَأْيِهِ فَأَخْطَأَ فَقَدْ كَفَرَ» كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ وَعَنْ الْعِرَاقِيِّ أَنَّ الْقُصَّاصَ يَنْقُلُونَ الْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَآثِمٌ بِنَقْلِهِ لِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِمَّنْ هُوَ بِهَذَا الْوَصْفِ أَنْ يَنْقُلَ حَدِيثًا مِنْ الْكُتُبِ وَلَوْ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ مَا لَمْ يَقْرَأْ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ حَكَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ كَذَا حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ عِنْدَهُ مَرْوِيًّا وَلَوْ عَلَى أَقَلِّ وُجُوهِ الرِّوَايَاتِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَتَفْصِيلُهُ فِي مَوْضُوعَاتٍ عَلَى الْقَارِئِ وَأَقُولُ تَفْصِيلُهُ فِي عِلْمِ أُصُولِ الْحَدِيثِ.
(فَائِدَةٌ) ادَّعَى ابْنُ جُزْءٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ رِوَايَةٌ وَلَوْ بِالْإِجَازَةِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ آيَةً أَوْ يَقْرَأَهَا مَا لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَى شَيْخٍ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا لَكِنْ الظَّاهِرُ عَدَمُهُ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَحْفُوظٌ مُتَلَقًّى وَالْحَدِيثَ مِمَّا يُخَافُ فِيهِ التَّلْبِيسُ وَالْخَلْطُ.
(فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ) الْإِجَازَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْقِرَاءَةِ وَالْإِفَادَةِ فَمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَهْلِيَّةَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُجْزِهِ أَحَدٌ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ عِلْمٍ خِلَافًا لِمَا يَتَوَهَّمُ الْأَغْبِيَاءُ.
(فَائِدَةٌ ثَالِثَةٌ) لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِجَازَةِ فَإِنْ عَلِمَ الْأَهْلِيَّةَ تَجِبُ الْإِجَازَةُ وَإِلَّا حَرُمَتْ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْإِتْقَانِ.
(ت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ» أَيْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ أَوْ مَنْ قَالَ فِي مُشْكِلِهِ بِمَا لَا يَعْرِفُ مِنْ مَذْهَبِ الصَّحْبِ وَالتَّابِعِينَ «فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» أَيْ فَلْيَتَّخِذْ لِنَفْسِهِ نُزُلًا فِيهَا حَيْثُ نَصَبَ نَفْسَهُ صَاحِبَ وَحْيٍ يَقُولُ مَا شَاءَ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ الْمَنْهِيُّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الشَّيْءِ رَأْيٌ وَإِلَيْهِ مَيْلٌ مِنْ طَبْعِهِ وَهَوَاهُ فَيَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ عَلَى وَفْقِهِ مُحْتَجًّا بِهِ لِغَرَضِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَوًى لَمْ يَلُحْ لَهُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهَذَا يَكُونُ تَارَةً مَعَ الْعِلْمِ كَمَنْ يَحْتَجُّ مِنْهُ بِآيَاتِهِ عَلَى تَصْحِيحِ بِدْعَتِهِ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْآيَةِ وَتَارَةً يَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ بِأَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً فَيَمِيلُ فَهْمُهُ إلَى مَا يُوَافِقُ غَرَضَهُ وَيُرَجِّحُهُ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ فَيَكُونُ فَسَّرَ بِرَأْيِهِ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ وَتَارَةً يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَيَطْلُبُ لَهُ دَلِيلًا مِنْ الْقُرْآنِ فَيَسْتَدِلُّ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ كَمَنْ يَدْعُو إلَى مُجَاهِدَةِ الْقَلْبِ الْقَاسِي بِقَوْلِهِ {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 24] وَيُشِيرُ إلَى قَلْبِهِ وَيُومِئُ إلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِفِرْعَوْنَ وَهَذَا يَسْتَعْمِلُهُ بَعْضُ الْوُعَّاظِ فِي الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ تَحْسِينًا لِلْكَلَامِ وَتَرْغِيبًا لِلسَّامِعِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، الثَّانِيَ أَنْ يَتَسَارَعَ إلَى تَفْسِيرِهِ بِظَاهِرِ الْعَرَبِيَّةِ بِغَيْرِ اسْتِظْهَارٍ بِالسَّمَاعِ وَالنَّقْلِ يَتَعَلَّقُ بِغَرَائِبِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُبْهَمَةِ وَالْمُجْمَلَةِ وَالِاخْتِصَاصِ وَالْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَمَنْ لَمْ يُحَكِّمْ ظَاهِرَ التَّفْسِيرِ وَبَادَرَ إلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَعَانِي بِمُجَرَّدِ فَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ كَثُرَ غَلَطُهُ وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَالنَّقْلُ وَالسَّمَاعُ لَا بُدَّ مِنْهُمَا