«فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» الْمُعَدَّةِ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ طَابَقَ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ فَقَدْ ارْتَكَبَ أَمْرًا فَظِيعًا وَاقْتَحَمَ هَوْلًا شَنِيعًا حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّارِعِ وَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ وَإِنْ أَصَابَ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ وَمِنْ الطَّامَّاتِ صَرْفُ أَلْفَاظِ الشَّرْعِ عَنْ ظَاهِرِهَا إلَى أُمُورٍ لَمْ تَسْبِقْ مِنْهَا إلَى الْإِفْهَامِ كَدَأْبِ الْبَاطِنِيَّةِ فَإِنَّ الصَّرْفَ عَنْ مُقْتَضَى ظَوَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ فِيهِ بِالنَّقْلِ عَنْ الشَّارِعِ وَبِغَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ مِنْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ حَرَامٌ كَذَا فِي الْفَيْضِ قَالَ فِي الْمِفْتَاحِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ جُمْلَةُ مَا يَحْصُلُ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: التَّفْسِيرُ بِلَا تَحْصِيلِ آلَاتِهِ مِنْ الْعُلُومِ.
الثَّانِي: تَفْسِيرُ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ.
الثَّالِثُ: التَّفْسِيرُ الْمُقَرِّرُ لِلْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمَذْهَبَ أَصْلًا وَالتَّفْسِيرَ تَابِعًا لَهُ فَيَرُدُّهُ إلَيْهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا.
الرَّابِعُ: التَّفْسِيرُ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ كَذَا عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.
الْخَامِسُ: التَّفْسِيرُ بِالْهَوَى ثُمَّ أَقُولُ قَالَ فِي الْفَيْضِ ضَعْفُ هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا فِيهِ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ الَّذِي هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ نَعَمْ صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمِمَّنْ جَرَى فِي تَضْعِيفِ رِوَايَتِهِ التِّرْمِذِيُّ وَالصَّدْرُ الْمُنَاوِيُّ انْتَهَى وَبِهِ يُعْلَمُ فَسَادُ مَا فِي الْوَسِيلَةِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمِنْ خَاصَّتِهِ اجْتِمَاعُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ فِيهِ إلَى تَمَامِ مَا أَخَذَهُ مِنْ أَوَائِلِ مَوْضُوعَاتِ عَلِيٍّ الْقَارِيّ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَلْيُتَأَمَّلْ (اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ أَنْ يَقْتَصِرَ فِيهِ) أَيْ فِي التَّفْسِيرِ (عَلَى الْمَسْمُوعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ) أَيْ الْمَسْمُوعَ مِنْهُ (أَقَلُّ قَلِيلٍ) كَتَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَحْتَجَّ أَحَدٌ بِالْقُرْآنِ فِي غَيْرِ الْمَسْمُوعِ فَيَنْسَدُّ بَابُ الِاجْتِهَادِ وَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ) قِيلَ إشَارَةٌ إلَى الدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ (فِي الْبُسْتَانِ النَّهْيُ إنَّمَا وَرَدَ) بِالنِّسْبَةِ (إلَى الْمُتَشَابِهِ مِنْهُ لَا) بِالنِّسْبَةِ (إلَى جَمِيعِهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] عُدُولٌ عَنْ الْحَقِّ كَالْمُبْتَدِعَةِ {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7] فَيَتَعَلَّقُونَ بِظَاهِرِهِ أَوْ بِتَأْوِيلٍ بَاطِلٍ {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7] طَلَبَ أَنْ يُفْتَنُوا النَّاسَ عَنْ دِينِهِمْ بِالتَّشْكِيكِ وَالتَّلْبِيسِ وَمُنَاقَضَةِ الْمُحْكَمِ بِالْمُتَشَابِهِ {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] وَطَلَبَ أَنْ يُؤَوِّلُوهُ عَلَى مَا يَشْتَهُونَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي إلَى الِاتِّبَاعِ مَجْمُوعَ الطَّلَبَيْنِ أَوْ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ