نَفْسَهُ أَهْلًا لِشَيْءٍ لَا يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا فَهُرُوبُ مِثْلِهِ وَاجِبٌ وَطَلَبُهُ سَلَامَةَ نَفْسِهِ أَمْرٌ لَازِمٌ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ رُخْصَةٌ وَالتَّرْكَ عَزِيمَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ اسْتَقْضَى ابْنُ وَهْبٍ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَتَجَانَنَ وَكَانَ يَخْرِقُ ثِيَابَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ لَوْ قَبِلْت وَعَدَلْت لَكَانَ خَيْرًا فَقَالَ يَا هَذَا أَوَعَقْلُك هَذَا أَوَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ «الْقُضَاةُ يُحْشَرُونَ مَعَ السَّلَاطِينِ وَالْعُلَمَاءُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» وَلَمَّا خَافَ الْإِمَامُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الضَّرْبِ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ فَسَوَّغَهُ الْإِمَامُ الثَّانِي وَقَالَ لَوْ تَقَلَّدْت لَنَفَعْت النَّاسَ فَقَالَ الْإِمَامُ لَوْ أُمِرْت أَنْ أَعْبُرَ الْبَحْرَ سِبَاحَةً لَكُنْت أَقْدَرَ عَلَيْهِ فَكَأَنِّي بِك قَاضِيًا فَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ بَعْدَهُ انْتَهَى.
(وَكَذَا الْإِمَارَةُ) أَيْ حُكْمُ الْإِمَارَةِ كَحُكْمِ الْقَضَاءِ وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَتَكُونُ حَسْرَةً وَنَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ كَوْنِ تَرْكِهِ عَزِيمَةً (أَنَّهُمَا ثَقِيلَانِ جِدًّا قَلَّمَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِمَا) كَمَا عَرَفْت آنِفًا أَقُولُ لَعَلَّ هَذَا إذَا خَلَا عَنْ الْعَوَارِضِ وَالْمَوَانِعِ وَطَبْعُ الْقَضَاءِ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَقَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَطَلَبُ الْقَضَاءِ إمَّا وَاجِبٌ إنْ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ وَالْعِلْمِ وَانْحَصَرَ فِيهِ ذَلِكَ وَإِمَّا مُبَاحٌ إنْ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ فَيَجُوزُ لِسَدِّ خَلَّتِهِ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ إنْ هُنَاكَ عَالِمٌ خَفِيَ عِلْمُهُ عَلَى النَّاسِ فَأَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يُشْهِرَهُ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ لِيُعَلِّمَ الْجَاهِلَ وَيُفْتِيَ الْمُسْتَرْشِدَ وَإِمَّا مَكْرُوهٌ إنْ لِلِاسْتِعْلَاءِ عَلَى النَّاسِ وَإِمَّا حَرَامٌ إنْ جَاهِلًا أَوْ مُتَلَبِّسًا بِمَا يُوجِبُ فِسْقَهُ أَوْ مُرِيدَ انْتِقَامٍ أَوْ رِشْوَةٍ.
(د ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ أَوْ جُعِلَ قَاضِيًا بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» أَيْ كَأَلَمِ الذَّبْحِ بِغَيْرِ سِكِّينٍ فِي الشِّدَّةِ وَالِامْتِدَادِ لِمَا فِي الْحُكُومَةِ مِنْ الْخَطَرِ أَوْ ذُبِحَ بِحَيْثُ لَا يَرَى ذَابِحَهُ أَوْ التَّوْلِيَةُ إهْلَاكٌ لَا بِآلَةٍ مَحْسُوسَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَشَوَّقَ إلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُمِيتَ جَمِيعَ دَوَاعِيهِ الْخَبِيثَةِ وَشَهَوَاتِهِ الرَّدِيئَةِ فَمَذْبُوحٌ بِغَيْرِ سِكِّينٍ فَمُرَغَّبٌ فِيهِ كَمَا سَبَقَ وَمَا قَبْلَهُ مَحْذُورٌ عَنْهُ.
وَقِيلَ إنَّ السِّكِّينَ يُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَمَا بِغَيْرِ السِّكِّينِ فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ وَوَبَالُ الْقَضَاءِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ جَاهٌ وَبَاطِنَهُ هَلَاكٌ كَمَا فِي أَخِي جَلْبِي لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَقِيلَ ازْدَرَاهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَقَالَ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا ثُمَّ دَعَا بِمَجْلِسِهِ مَنْ يُسَوِّي شَعْرَهُ فَجَعَلَ الْحَلَّاقُ يَحْلِقُ بَعْضَ شَعْرِ ذَقَنِهِ فَعَطَسَ فَأَصَابَ حَلْقَهُ وَأَلْقَى رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا فِي قَضَاءِ الدُّرَرِ عَنْ الْكَافِي (حَدّ حب عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى» مِنْ كَمَالِ الْحِيرَةِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَشِدَّةِ الْهَوْلِ «أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي ثَمَرَةٍ قَطُّ» يَعْنِي وَلَوْ فِي أَقَلَّ قَلِيلٍ عَنْ شَرْحِ الْخَطِيبِ