أَنَّهُ رُئِيَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اُكْتُبْ أَسَامِيَ أَصْحَابِك فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَفَرَ لَهُمْ فَكَتَبَ فِي أَوَّلِ الْجَرِيدَةِ اسْمَ دَاوُد الطَّائِيِّ لِزُهْدِهِ وَفِي آخِرِ الْجَرِيدَةِ اسْمَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ غَزَارَةِ عِلْمِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْقَضَاءِ وَفِي قَمْعِ النُّفُوسِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَانَ فِي بَلَدِنَا نَبَّاشٌ وَفِي الْبَلَدِ قَاضٍ صَالِحٌ نَاصِبٌ نَفْسَهُ لِتَنْفِيذِ مَرَاسِمِ النُّبُوَّةِ وَقَمْعِ مَرَاسِمِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ فَلَمَّا قَرُبَتْ وَفَاتُهُ دَعَا النَّبَّاشَ وَقَالَ هَذَا قِيمَةُ كَفَنِي فَخُذْهُ الْآنَ وَلَا تَهْتِكُنِي فِي قَبْرِي فَأَخَذَهُ وَذَهَبَ فَلَمَّا مَاتَ الْقَاضِي أَرَادَ نَبْشَهُ فَمَنَعَتْهُ زَوْجَتُهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا فَلَمَّا حَفَرَ الْقَبْرَ وَدَخَلَ دَخَلَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ فَقَالَ أَحَدُ الْمَلَكَيْنِ لِلْآخَرِ شُمَّ رِجْلَيْهِ فَشَمَّهُمَا فَقَالَ لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ إنَّهُ لَمْ يَسْعَ فِي مَعْصِيَةٍ قَطُّ فَقَالَ لَهُ شُمَّ يَدَيْهِ فَقَالَ فِيهِمَا خَيْرٌ ثُمَّ قَالَ شُمَّ عَيْنَيْهِ فَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ إلَى مُحَرَّمٍ قَطُّ فَقَالَ شُمَّ سَمْعَهُ فَشَمَّ أَحَدَ سَمْعَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا ثُمَّ شَمَّ السَّمْعَ الْآخَرَ فَوَقَفَ فَقَالَ مَا وَجَدْت قَالَ بَعْضَ نَتْنٍ فَقَالَ مِمَّ؟ قَالَ إنَّهُ أَصْغَى بِأَحَدِ سَمْعَيْهِ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ قَالَ فَانْفُخْ فِيهِ فَنَفَخَ نَفْخَةً فَامْتَلَأَ الْقَبْرُ نَارًا فَلَحِقَ بَصَرَ النَّبَّاشِ فَعَمِيَ فَإِذَا كَانَ حَالُ مِثْلِ هَذَا الْقَاضِي هَكَذَا فَكَيْفَ حَالُ مَنْ شَأْنُهُ إبْطَالُ الْحُقُوقِ وَأَخْذُ الرِّشَا وَعَدَمُ إحْقَاقِ الْحُقُوقِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ.
وَفِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَشَفَعَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ بِالْتِمَاسِهِمْ مِنْهُ لِكَوْنِهِ حِبَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ إنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَأَيْمُ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» .
(طك عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ إنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ عَنْ الْإِمَارَةِ وَمَا هِيَ» قَالَ عَوْفٌ «فَنَادَيْت بِأَعْلَى صَوْتِي» بِأَنْ أَقُولَ «وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ» بَاعِثَةٌ عَلَى لَوْمِ النَّاسِ وَتَعْيِيرِهِمْ «وَثَانِيهَا نَدَامَةٌ» لَعَلَّهُ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا «وَثَالِثُهَا عَذَابٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا مَنْ عَدَلَ» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ لِأَنَّهَا تُحَرِّكُ الصِّفَاتِ الْبَاطِنَةَ وَتَغْلِبُ عَلَى النَّفْسِ حُبَّ الْجَاهِ وَلَذَّةَ الِاسْتِيلَاءِ وَنَفَاذَ الْأَمْرِ وَهُوَ أَعْظَمُ مَلَاذِّ الدُّنْيَا فَإِذَا كَانَتْ مَحْبُوبَةً كَانَ الْوَالِي سَاعِيًا فِي حَظِّ نَفْسِهِ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ وَيَقْدُمُ عَلَى مَا يُرِيدُ وَإِنْ بَاطِلًا وَعِنْدَ ذَلِكَ يَهْلِكُ وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ تَعَالَى رَعِيَّتَهُ يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَمْ يَحْفَظْهَا بِنَصِيحَةٍ لَمْ يُرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» .
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لَا يَجْتَهِدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ إلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ الْجَنَّةَ» (وَكَيْفَ يَعْدِلُ مَعَ أَقْرَبِيهِ) كَالْأَوْلَادِ وَفِي قَمْعِ النُّفُوسِ وَعَظَ بَعْضٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ فِي كَلَامِ اللَّهِ مَوْعِظَةً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إنَّهُ قَالَ لِنَبِيِّهِ دَاوُد {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26] (خ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَتْ الْمُرْضِعَةُ» وَفِي نُسْخَةِ الْجَامِعِ بِلَا تَاءٍ «وَبِئْسَتْ الْفَاطِمَةُ» عِنْدَ انْفِصَالِهِ عَنْهَا بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَقْطَعُ عَنْهُ تِلْكَ اللَّذَائِذَ وَالْمَنَافِعَ وَتُبْقِي عَلَيْهِ الْحَسْرَةَ وَالتَّبِعَةَ فَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ وَالذَّمِّ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْإِمَارَةُ