لَمَّا رَأَى صِفَاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْأَحْمَدِيَّةِ فِي التَّوْرَاةِ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْهَا فَمُجَاسَرَةُ أَمْرٍ عَظِيمٍ إذْ قَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِعَدَمِ جَوَازِ كَوْنِ نَبِيِّ أُمَّةٍ نَبِيَّ آخَرَ وَإِنْ الْأُمَّةَ وَلَوْ وَلِيًّا مُقَرَّبًا لَنْ تَبْلُغَ دَرَجَةَ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَكَيْفَ لِلْكَلِيمِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يَسْتَكْمِلَ بِالْأُمِّيَّةِ وَيَسْأَلُ ذَلِكَ وَلَوْ صَحَّ سَنَدُهُ فَيَلْزَمُ تَأْوِيلُهُ أَوْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُتَشَابِهِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا لَا يَجُوزُ ثُبُوتُ الْمُتَشَابِهِ بِالْآحَادِ ثُمَّ فِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَى الْمَنْعِ عَنْ النَّظَرِ فِي مُطْلَقِ سَائِرِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ وَلَوْ بِنِيَّةِ الِانْتِصَاحِ لِكَوْنِهَا مَشْحُونَةً بِالتَّحْرِيفَاتِ وَلِهَذَا جَوَّزَ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءَ بِهَا إذَا خَلَتْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى

وَعَنْ عَلْوَانَ الْحَمَوِيِّ لَا حُرْمَةَ لِلْكُتُبِ الْمَنْسُوخَةِ وَلَا يَجُوزُ الْإِيمَانُ بِالْمُحَرَّفِ بَلْ بَالَغَ بَعْضٌ إلَى أَنْ جَوَّزَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالتَّوْرَاةِ فِي أَيْدِي الْيَهُودِ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ تَحْرِيفُهُ بِالْكُفْرِيَّاتِ انْتَهَى.

وَعَنْ شَمْسِ الدِّينِ الْمَيْدَانِيِّ وَهُوَ الْحَقُّ فَإِنَّ التَّوْرَاةَ وَاجِبُ الِاحْتِرَامِ وَالشَّكُّ الطَّارِئُ لَا يَرْفَعُ ذَلِكَ الِاحْتِرَامَ بَلْ الْمُحَرَّفُ أَقَلُّهَا وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ لَعَلَّ لِهَذَا كُرِهَ قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ لِلْجُنُبِ احْتِرَامًا وَقِيلَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ دَخَلَ الْكَنِيسَةَ وَاسْتَهَانَ التَّوْرَاةَ حَتَّى بَصَقَ فِيهَا ثُمَّ لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْكُبُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ حَتَّى مَاتَ أَقْبَحَ مَيْتَةٍ حَتَّى أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَجُوزُ إهَانَةُ تِلْكَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ الْمَنْسُوخَةِ وَلَا قِرَاءَتُهَا وَلَا مُطَالَعَتُهَا (حذر) أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْبَزَّارُ.

(عَنْ مُجَاهِدٍ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بْنِ جَبْرٍ التَّابِعِيِّ (أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي سَفَرٍ فَمَرَّ بِمَكَانٍ فَحَادَ» بِالْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ أَعْرَضَ وَمَالَ «عَنْهُ» أَيْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ حَادَ يَحِيدُ إذَا مَالَ وَأَعْرَضَ عَنْ الشَّيْءِ «فَسُئِلَ» بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ «لِمَ فَعَلْت ذَلِكَ» الْإِعْرَاضَ «قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ» اتِّبَاعًا لَهُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ مُتَابَعَتِهِ لَهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَمِثْلُ هَذِهِ السُّنَّةِ الْعَادِيَّةِ يُقَالُ لَهَا السُّنَّةُ الزَّائِدَةُ قِيلَ لَا حَرَجَ فِي فِعْلِ هَذِهِ السُّنَّةِ بَلْ فِعْلُهَا حَسَنٌ وَتَرْكُهَا مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَكَوْنِ تَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَرِيبًا إلَى الْحَرَامِ وَمُوجِبًا لِاسْتِحْقَاقِ حِرْمَانِ الشَّفَاعَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ سُنَّتِي لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» .

كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ فَمَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ تَرْكَ سُنَّةِ الْهُدَى يُوجِبُ كَرَاهَةً كَالْجَمَاعَةِ لَا تَرْكَ سُنَّةِ الزَّوَائِدِ كَسِيَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لِبَاسِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ لَا مُطْلَقِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ إطْلَاقُ النَّفْيِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ التَّنْزِيهِيَّ مَا لَا يُمْنَعُ عَنْ فِعْلِهِ لَكِنْ تَرْكُهُ أَوْلَى فَكُلُّ شَيْءٍ تَرْكُهُ أَوْلَى فَتَنْزِيهٌ فَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ

فَإِنْ قِيلَ مَحَلُّ الِاحْتِجَاجِ بِهَذَا الْأَثَرِ إمَّا مِنْ حَيْثُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ حَيْثُ مُتَابَعَةُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَالْأَوَّلُ قَالُوا إنَّ فِعْلَهُ الْمُطْلَقَ يُوجِبُ التَّوَقُّفَ عِنْدَ بَعْضٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ أَوْ زَلَّةٌ وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ الْإِبَاحَةُ وَعِنْدَ الْبَعْضِ الِاتِّبَاعُ وَظَاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ السُّنَنِ الزَّوَائِدِ لَا يُوجِبُ الِاتِّبَاعَ فَلَا يُفِيدُ لُزُومَ الِاعْتِصَامِ وَالتَّمَسُّكَ عَلَى جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ فَلَا يَصْلُحُ لَأَنْ يُحْتَجَّ بِهِ

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ إتْيَانَ صَحَابِيٍّ سُنَّةً مِنْ الزَّوَائِدِ لَا يُوجِبُ إتْيَانَ الْغَيْرِ لَا فِي حَقِّ هَذَا الْمَحَلِّ وَلَا فِي الْجَمِيعِ وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَبِيلِ مَسْأَلَةِ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ كَالْبَرْذَعِيِّ وَالرَّازِيِّ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ كَالْكَرْخِيِّ وَأَبِي زَيْدٍ إلَّا فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ قُلْنَا لَعَلَّ الْمَطْلُوبَ مُطْلَقُ الِاعْتِصَامِ الشَّامِلِ لِلْأَوْلَى وَهَذَا الْأَثَرُ دَلِيلٌ لَهُ بِحَسَبِ هَذَا الِاعْتِبَارِ وَتَحْرِيضٌ عَلَى اتِّبَاعِ مُطْلَقِ السُّنَّةِ (ز) الْبَزَّارُ.

«عَنْ) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ عُمَرَ» - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَكَانَ شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي شَجَرَةً بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَيَقِيلُ تَحْتَهَا» مِنْ الْقَيْلُولَةِ أَيْ يَنَامُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَقْتَ قَيْلُولَةٍ وَالنَّوْمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ نُدِبَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015