عِيسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ قِيلَ فِي تَهَوُّكِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مَا سَبَقَ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ مِنْ مَضْمُونِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ مِنْ تَفَرُّقِهِمَا إلَى الْفِرَقِ الْكَثِيرَةِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ السِّيَاقِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى التَّهَوُّكِ مِنْ جِنْسِ عَدَمِ الْقَنَاعَةِ بِمَا فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الْكِتَابِ وَأَنَّ التَّهَوُّكَ لَا يُلَائِمُ التَّفَرُّقَ بَلْ مُوجِبُ التَّفَرُّقِ هُوَ الْقَطْعُ وَالْحُكْمُ لَا الشَّكُّ وَالْحِيرَةُ

وَاعْلَمْ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَطْ وَالْجَوَابُ النَّبَوِيُّ وَقَعَ لِلْجَمْعِ وَأَنَّ مَا اسْتَجَازَهُ عُمَرُ إنْ وَافَقَ الْقُرْآنَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ تُعْجِبُنَا فَكَيْفَ التَّشْبِيهُ بِتَهَوُّكِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَإِنْ خَالَفَ فَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ الِاسْتِجَازَةُ مِنْ عُمَرَ وَأَنَّ السُّؤَالَ بِمُجَرَّدِ الْيَهُودِ وَزِيدَ فِي الْجَوَابِ النَّصَارَى وَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي كُتُبِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ كَالْغَزَالِيِّ النَّقْلُ عَنْ الْإِنْجِيلِ وَالْإِسْرَائِيلِيَّات مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ

أَقُولُ لَعَلَّ الْأَوَّلَ أَنَّ السَّائِل وَإِنْ كَانَ عُمَرُ فَقَطْ لَكِنَّ سَامِعَ الْحَدِيثِ مِنْ الْيَهُودِ هُوَ الْجَمَاعَةُ كَمَا يُؤَيِّدُهُ صِيَغُ نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ مَعَ الْغَيْرِ وَيَجُوزُ حُضُورُ جَمَاعَةٍ عِنْدَ سُؤَالِ عُمَرَ وَلَعَلَّ الثَّانِيَ لِخَوْفِ السِّرَايَةِ إلَى الْغَيْرِ الْمَشْرُوعِ لِلتَّجَانُسِ وَلِخَوْفِ سِرَايَةِ الْأَخْذِ وَالْكِتَابَةِ لِلضُّعَفَاءِ وَالْعَوَامِّ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَمْيِيزِ مَا وَافَقَ شَرْعَنَا مِمَّا لَا يُوَافِقُهُ وَإِنَّهُ يُوجِبُ اسْتِحْسَانَ الْمِلَّةِ الْمَنْسُوخَةِ الَّتِي لَبَّسُوا فِي أَكْثَرِهَا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْأُلْفَةَ وَالْأُنْسَ وَاتِّخَاذَ الْوِلَايَةِ لِعَدُوِّ اللَّه وَعَدُوِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ الْمَيْلُ إلَى الْمَرْجُوحِ الضَّعِيفِ الْقَاصِرِ عِنْدَ وُجُودِ الرَّاجِحِ الْقَوِيِّ التَّامِّ الْكَامِلِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْبِيرُ فِي الْجَوَابِ النَّبَوِيِّ

وَلَعَلَّ الثَّالِثَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْإِنْكَارِ وَسَدِّ طُرُقِ الِاحْتِمَالِ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَإِمَّا يُحْمَلُ الْمَنْعُ عَلَى أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ فَبَعْدَ التَّقْوَى وَالتَّكَامُلِ لَا ضَرَرَ فِي أَخْذِ الْأَحَادِيثِ الْمُوَافِقَةِ لِحُكْمِ الْقُرْآنِ لَكِنْ هَذَا مُحْتَاجٌ إلَى الرِّوَايَةِ إذْ لَا يُفِيدُ الدِّرَايَةَ وَإِمَّا يُرَدُّ عَلَى مَنْ أَتَى ذَلِكَ وَإِمَّا الْحَمْلُ عَلَى تَخْصِيصِ الْمَنْعِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ وَالنَّقْلِ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوَاعِظِ وَالنَّصَائِحِ دُونَ الْأَحْكَامِ فَبَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِلْإِطْلَاقِ وَلَا يُقَيَّدُ الْمُطْلَقُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ كَمَا يُؤَيِّدُهُ قَاعِدَةُ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إذَا قَصَّهَا اللَّهُ أَوْ أَخْبَرَ بِهَا الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.

«لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا» أَيْ بِمَعَانِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي تُعْجِبُكُمْ أَوْ بِبَدَلِهَا وَقِيلَ أَيْ بِالْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ بِعَوْنِ الْمَقَامِ «بَيْضَاءَ» أَيْ نَقِيَّةً خَالِيَةً عَنْ التَّحْرِيفِ وَمَحْفُوظَةً عَنْ التَّغْيِيرِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ الَّتِي تُعْجِبُكُمْ وَقِيلَ أَيْ مُنِيرَةٌ مُشْرِقَةٌ بِأَلْفَاظٍ فَصِيحَةٍ وَمَعَانٍ وَاضِحَةٍ وَقِيلَ سَالِمَةً عَنْ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ «نَقِيَّةً» خَالِصَةً مِنْ شَوْبِ الْخَفَاءِ وَالِالْتِبَاسِ خِلَافُ أَهْلِ الْكِتَابِ قِيلَ هُنَا نَقْلًا عَنْ الْمَوَاهِبِ الْفَتْحِيَّةِ فَإِذَا نَهَى عُمَرُ عَنْ قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ مَعَ كَوْنِهِ كِتَابًا إلَهِيًّا فَالنَّهْيُ عَنْ كُتُبِ الْفَلَاسِفَةِ أَحَقُّ.

وَقَدْ غَلَبَ الِاشْتِغَالُ بِجَهَالَاتِ الْفَلَاسِفَةِ وَسَمَّوْهَا حِكْمَةً وَجَهَّلُوا مَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ هُمْ الْكَمَلَةُ وَيَعْكُفُونَ عَلَى دِرَاسَتِهَا وَلَا تَكَادُ تَلْقَى أَحَدًا مِنْهُمْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا حَدِيثًا هُمْ أَحَقُّ بِأَنْ يُسَمُّوا سُفَهَاءَ إذْ هُمْ أَعْدَاءُ الْأَنْبِيَاءِ وَهُمْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَهُمْ أَضَرُّ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى انْتَهَى مُلَخَّصًا وَسَيُفَصَّلُ عِنْدَ تَصْرِيحِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

«وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ» أَيْ مَا جَازَ لَهُ «إلَّا اتِّبَاعِي» إذْ هُوَ نَبِيُّ الْأَنْبِيَاءِ وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ نُوَّابُهُ وَأَنَّ شَرِيعَتَهُ مَنْسُوخَةٌ كَعِيسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ سَمِعْت سَابِقًا أَنَّهُ تَعَالَى أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ بِمُتَابَعَتِهِمْ إيَّاهُ إنْ لَقِيَهُمْ.

وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ قَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015