«بِالنَّعْلِ» إذَا قَدَرَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى صَاحِبَتِهَا لِتَكُونَا عَلَى السَّوَاءِ وَالْمَعْنَى لَيَأْتِيَن عَلَى أُمَّتِي مُخَالَفَةٌ مِثْلُ الْمُخَالَفَةِ الَّتِي أَتَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ حَتَّى أَهْلَكَتْهُمْ فَتَكُونُ هَذِهِ الْأُمَّةُ تَابِعَةً آثَارَ مَنْ قَبْلَهُمْ فِيمَا عَمِلُوا بِهِ فِي أَدْيَانِهِمْ وَأَحْدَثُوا فِيهَا مِنْ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ.

«حَتَّى» لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ وَالتَّعْلِيلِ وَقِيلَ ابْتِدَائِيَّةٌ «إنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى» زَنَى «أُمَّهُ عَلَانِيَةً» جِهَارًا فَهَذَا غَايَةٌ فِي الْمَعْصِيَةِ وَنِهَايَةٌ فِي الْفَضَاحَةِ وَالْقَبَاحَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ زَوْجَةُ الْأَبِ مُطْلَقًا أَوْ مُطْلَقُ مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَصِيرُ إلَى الْمَجَازِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَالْمُتَعَذِّرُ هُنَا هُوَ الْمَجَازُ إذْ الْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْفَصَاحَةِ كَمَا عَرَفْت «لَكَانَ» اللَّامُ جَوَابٌ لِأَنَّ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى لَوْ كَمَا أَنَّ لَوْ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى إنْ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الطِّيبِيِّ.

«مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ» وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي أُمَّتِي ( «وَإِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً» بِالْكَسْرِ الشَّرِيعَةُ وَالدِّينُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.

وَعَنْ الطِّيبِيِّ ثُمَّ اتَّسَعَتْ فِي الشَّرَائِعِ الْبَاطِلَةِ فَقِيلَ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ «وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي» الظَّاهِرُ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ وَيَحْتَمِلُ أُمَّةَ الدَّعْوَةِ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ عَدَمُ مُلَاءَمَةِ آخِرِ الْحَدِيثِ

وَقِيلَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّ أُمَّةَ الدَّعْوَةِ أَكْثَرُ افْتِرَاقًا فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ أُرِيدَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَإِنْ أُرِيدَ كَثْرَةُ الْفُرُوعِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي أُمَّةِ الْإِجَابَةِ وَقَدْ أَوْرَدَ بِهِ عَلَيْهِ وَأُجِيبَ أَنَّ الْمُرَادَ الْفُرُوعُ لَكِنْ يَكْفِي بُلُوغُهُ إلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَإِنْ تَجَاوَزَ فِي بَعْضِ حِينٍ آخَرَ «عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً» فَإِنْ قِيلَ تَفَرُّقُ بَنِي إسْرَائِيلَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ وَتَفَرُّقُ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ فَكَيْفَ أَمْرُ الْمُمَاثَلَةِ وَقَدْ قَالَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ قُلْت لَعَلَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ فِيمَا لَا يَرْضَى عَنْهُ فَقَطْ كَمَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً فَقَدْرُ جَمِيعِ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى قَدْرِ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّارَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

«كُلُّهُمْ فِي النَّارِ» بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَإِنْ جَازَ عَدَمُ الدُّخُولِ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى عَفْوُهُ أَوْ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ فَيَكُونُ لِلتَّطْهِيرِ فَلَا يُخَلَّدُ وَإِنْ أُرِيدَ الدَّعْوَةُ فَالنَّارُ لِلتَّكْفِيرِ فَيُخَلَّدُ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ مِنْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ مَنْ يَكْفُرُ كَالْمُجَسِّمَةِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ تَفْصِيلَهُ فَيَلْزَمُ إمَّا أَنْ يُقَالَ إنْ بَلَغَ ابْتِدَاعُهُ إلَى الْكُفْرِ فَخَارِجٌ عَنْ الْإِجَابَةِ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ مِنْ النَّارِ هُوَ الْمُطْلَقُ خُلُودًا وُجُوبًا أَوْ دُخُولًا جَوَازًا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ هَذَا مَعَ كَوْنِ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَحْمَةً كَمَا حَدِيثُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» .

قُلْت الْمُرَادُ مِنْ الْأُمَّةِ الْمُجْتَهِدُ وَلَا اجْتِهَادَ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ فِي وَلَوْ سَلِمَ الِاخْتِلَافُ فَالْمُرَادُ فِي الْفُرُوعِ وَالْأَحْكَامِ كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ عَنْ تَفْسِيرِ الْقَاضِي وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْبَيْهَقِيّ «اخْتِلَافُ أَصْحَابِي لَكُمْ رَحْمَةٌ» وَلَا شَكَّ أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ لَيْسَ إلَّا فِي الْأَحْكَامِ كَمَا نُقِلَ عَنْ السَّمْهُودِيِّ وَقِيلَ الْمُرَادُ الِاخْتِلَافُ فِي الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا خُصُوصَ لِلْأُمَّةِ بَلْ عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ.

وَعَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْمَنَاصِبِ وَالدَّرَجَاتِ وَرُدَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الِاخْتِلَافِ

فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103] {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: 105]- شَامِلٌ لِلْكُلِّ أَقُولُ يَجِبُ تَوْفِيقُ النُّصُوصِ الْمُتَعَارِضَةِ مَا أَمْكَنَ عَلَى أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا الْمُرَادُ هُوَ الِاخْتِلَافُ عَلَى الرُّسُلِ وَأَيَّدُوا بِحَدِيثِ «إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ كَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ اخْتِلَافَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْفُرُوعِ مَغْفُورٌ لِمَنْ أَخْطَأَ بَلْ لَهُ أَجْرٌ وَلِلْمُصِيبِ أَجْرَانِ إلَّا أَنْ يُقَصِّرَ فِي الِاجْتِهَادِ بِأَنْ يُخْطِئَ مَعَ بَيِّنَةِ الْحَقِّ.

فَإِنْ قِيلَ كَوْنُ اخْتِلَافِ الْأُمَّةِ رَحْمَةً مُنَافٍ لِمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا مِنْ أَنَّ مَنْ قَلَّدَ مُجْتَهِدًا مُعَيَّنًا لَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ مَنْ عَمِلَ فِي مَسْأَلَةٍ بِقَوْلِ إمَامٍ لَيْسَ لَهُ الْعَمَلُ فِيهَا بِقَوْلِ غَيْرِهِ اتِّفَاقًا قُلْت قَالَ الْمُنَاوِيُّ إنْ أَرَادَ الِاتِّفَاقَ الْأُصُولِيَّ فَلَا يَلْزَمُ اتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ وَالْكَلَامُ فِيهِ وَإِلَّا فَمَرْدُودٌ وَزَعْمُ الِاتِّفَاقِ بَاطِلٌ أَوْ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَوْ بَقِيَ مِنْ آثَارِ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ مَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ حَقِيقَتِهِ ثُمَّ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الِانْتِقَالِ أَحْوَالٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَعْتَقِدَ بِهِ مَذْهَبَ الْغَيْرِ فَيَجُوزُ عَمَلُهُ بِالرَّاجِحِ الثَّانِي أَنْ لَا يَعْتَقِدَ رُجْحَانَ شَيْءٍ فَيَجُوزُ الثَّالِثُ أَنْ يَقْصِدَ الرُّخْصَةَ فِيمَا يَحْتَاجُهُ لِحَاجَةٍ لَحِقَتْهُ أَوْ ضَرُورَةٍ أَرْهَقَتْهُ فَيَجُوزُ الرَّابِعُ أَنْ يَقْصِدَ مُجَرَّدَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015