التَّرَخُّصِ فَيَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ مُسْتَتْبِعٌ لِهَوَاهُ لَا لِدِينٍ الْخَامِسُ أَنْ يَكْثُرَ ذَلِكَ وَيَجْعَلَ اتِّبَاعَ الرُّخَصِ دَيْدَنَهُ فَيَمْتَنِعُ لِمَا ذُكِرَ وَلِزِيَادَةِ فُحْشِهِ السَّادِسُ أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ مُرَكَّبَةٌ مُمْتَنِعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَمْتَنِعُ السَّابِعُ أَنْ يَعْمَلَ بِتَقْلِيدِ الْأَوَّلِ كَحَنَفِيٍّ يَدَّعِي شُفْعَةَ جِوَارٍ فَيَأْخُذُهَا بِمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فَيُرِيدُ تَقْلِيدَ الشَّافِعِيِّ فَيَمْتَنِعُ لِخَطَئِهِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مُكَلَّفٌ وَكَلَامُ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ مُنَزَّلٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ مَصْلَحَةً دِينِيَّةً فَلَا يُمْنَعُ فِي الِانْتِقَالِ ثُمَّ قَالَ وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى مَنْعِ الِانْتِقَالِ مُطْلَقًا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُنْتَقِلُ بِاجْتِهَادٍ وَبُرْهَانٍ آثِمٌ وَيُعَزَّرُ وَبِدُونِهَا أَوْلَى وَقَدْ انْتَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ لِغَيْرِهِ كَالطَّحَاوِيِّ مِنْ الشَّافِعِيِّ إلَى الْحَنَفِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ مِنْ الْحَنَفِيِّ إلَى الشَّافِعِيِّ.

وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَهُ لَكِنْ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّهُ لَا نَصَّ لِأَحَدٍ فِي تَقْلِيدِ مُجْتَهِدٍ مُعَيَّنٍ فَلِكُلٍّ أَنْ يُقَلِّدَ فِي أَيِّ مَسْأَلَةٍ لِأَيِّ مُجْتَهِدٍ وَفِي بَعْضِ أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ إذَا عَمِلَ الْعَامِّيُّ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ اتِّفَاقًا.

وَأَمَّا فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ الْمُخْتَارُ جَوَازُهُ «إلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً» قِيلَ إنْ أُرِيدَ مِنْ الِافْتِرَاقِ فِي الِاعْتِقَادِ فَقَطْ فَالْمُسْتَثْنَاةُ لَا تَدْخُلُ النَّارَ أَصْلًا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَإِنْ جَازَ دُخُولُهَا النَّارَ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ وَإِنْ أُرِيدَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْعَمَلِ كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى إنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً إلَخْ فَلَا تَدْخُلُ النَّارَ أَصْلًا مُطْلَقًا أَقُولُ وَمِنْ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ عَدَمُ الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي النُّصُوصِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

«قَالُوا مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا» أَيْ مِلَّةُ «أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» وَهِيَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ الْمَاتُرِيدِيَّةِ وَالْأَشَاعِرَةِ فَإِنْ قِيلَ كُلُّ فِرْقَةٍ تَدَّعِي أَنَّهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ قُلْنَا ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِالدَّعْوَى بَلْ بِتَطْبِيقِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَانِنَا إنَّمَا يُمْكِنُ بِمُطَابَقَةِ صِحَاحِ الْأَحَادِيثِ كَكُتُبِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي أُجْمِعَ عَلَى وَثَاقَتِهَا كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ فَإِنْ قِيلَ فَمَا حَالُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ قُلْنَا لِاتِّحَادِ أُصُولِهِمَا لَمْ يُعَدَّ مُخَالَفَةً مُعْتَدَّةً إذْ خِلَافُ كُلِّ فِرْقَةٍ لَا يُوجِبُ تَضْلِيلَ الْأُخْرَى وَلَا تَفْسِيقَهَا فَعُدَّتَا مِلَّةً وَاحِدَةً.

وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي الْفَرْعِيَّاتِ وَإِنْ كَانَ كَثْرَةَ اخْتِلَافٍ صُورَةً لَكِنْ مُجْتَمِعَةً فِي عَدَمِ مُخَالَفَةِ الْكُلِّ كِتَابًا نَصًّا وَلَا سُنَّةً قَائِمَةً وَلَا إجْمَاعًا وَلَا قِيَاسًا صَحِيحًا عِنْدَهُ وَأَنَّ الْكُلَّ صَارِفٌ غَايَةَ جَهْدِهِ وَكَمَالَ وُسْعِهِ فِي إصَابَةِ السُّنَّةِ وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضٌ لِقُوَّةِ خَفَاءِ الدَّلِيلِ وَلِهَذَا يُعْذَرُ وَيُعْفَى بَلْ يُؤْجَرُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ عَدَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ (ت) التِّرْمِذِيُّ.

«عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -» خَادِمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِي يَا بُنَيَّ» تَصْغِيرُ ابْنٍ النِّدَاءُ لِلْإِكْرَامِ وَالْإِشْفَاقِ «إنْ قَدَرْت» إنْ اسْتَطَعْت وَالْمُرَادُ صَرْفُ غَايَةِ الْجَهْدِ «أَنْ تُصْبِحَ» أَيْ فِي صُبْحِ كُلِّ عُمْرِك «وَتُمْسِيَ» كَذَلِكَ.

«وَ» الْحَالُ ( «لَيْسَ فِي قَلْبِك غِشٌّ» بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْ غَشَّهُ لَمْ يُمْحِضْهُ النُّصْحُ أَوْ أَظْهَرَ لَهُ خِلَافَ مَا أَضْمَرَ مِنْ الْقَامُوسِ «لِأَحَدٍ» التَّنْكِيرُ لِلتَّكْثِيرِ فَيَشْمَلُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ وَالْمُوَافِقَ وَالْمُخَالِفَ وَغَيْرَهَا وَقِيلَ الْإِنْسَانُ وَغَيْرُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ «فَافْعَلْ» أَيْ اسْتِمْرَارُ عَدَمِ الْغِشِّ فِي الْقَلْبِ لِيَطْهُرَ الْقَلْبُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِالدَّنَسِ.

«ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ» تَكْرِيرُ النِّدَاءِ مَعَ تَصْغِيرِ الِابْنِ لِلِاسْتِشْفَاقِ وَأَنَّ مَنْ يُخْبِرُ بِهِ مِنْ آثَارِ الشَّفَقَةِ «وَذَلِكَ» أَيْ دَوَامُ بَرَاءَةِ الْقَلْبِ مِنْ الْغِشِّ «مِنْ سُنَّتِي» بَعْضِ سُنَّتِي.

«وَمَنْ أَحَبَّ سُنَّتِي» وَالْمَحَبَّةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا فَدَعْوَى الْمَحَبَّةِ بِلَا إتْيَانٍ دَعْوَى دَلَّ الْبُرْهَانُ عَلَى خِلَافِهَا إلَّا لِمَانِعٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيَكُونُ الْمَقَامُ اسْتِدْلَالِيًّا كَالْمَذْهَبِ الْكَلَامِيِّ وَالْحَدِيثُ الْمُعَادُ الْمُعَرَّفُ عَيْنُ الْأَوَّلِ أَصْلٌ قَدْ يَعْدِلُ عَنْهُ وَلَوْ سَلِمَ فَيَشْتَمِلُ الْكُلَّ أَيْضًا إمَّا بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ الْمُقَايَسَةِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ.

«فَقَدْ أَحَبَّنِي» لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحِبَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُمْكِنُ مَحَبَّةُ سُنَّتِهِ فَمَحَبَّةُ السُّنَّةِ إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ مَحَبَّةِ صَاحِبِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَحَبَّةَ السُّنَّةِ وَسِيلَةٌ إلَى مَحَبَّةِ صَاحِبِهَا فَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ كَمَالُ مَحَبَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلْيُوَاظِبْ عَلَى سُنَّتِهِ فَيَحْصُلُ مَحَبَّتُهُ بِالِاضْطِرَارِ كَمَا قَالَ الْمَشَايِخُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015