الْآجِلَةِ.
«مِنْ بَعْدِي» مُتَعَلِّقٌ بِأَفْسَدَ «مِنْ سُنَّتِي» بَيَانٌ لِ " مَا "، وَالْإِصْلَاحُ إمَّا بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِالنَّصَائِحِ الْحَسَنَةِ وَالْمَوَاعِظِ الْمُسْتَحْسَنَةِ أَوْ بِالْعَمَلِ عَلَى السُّنَّةِ مُخَالِفًا لِجُمْهُورِ الْمُخَالِفِينَ أَوْ بِتَصْنِيفِ كُتُبٍ أَوْ تَدْرِيسِ عِلْمٍ وَتَعْلِيمِ دِينٍ وَفُسِّرَ الْغُرَبَاءُ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ» .
قَالَ شَارِحُهُ وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ يُبْغِضُهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُحِبُّهُمْ» وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا رَأَيْت الْعَالِمَ كَثِيرَ الْأَصْدِقَاءِ فَمُخْتَلِطٌ لِأَنَّهُ لَوْ نَطَقَ بِالْحَقِّ لَأَبْغَضُوهُ (م) مُسْلِمٌ (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) هُوَ الْحَارِثِيُّ الْأَنْصَارِيُّ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِصِغَرِ سِنِّهِ وَشَهِدَ أُحُدًا وَأَكْثَرُ الْمَشَاهِدِ وَأَصَابَهُ سَهْمٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا أَشْهَدُ لَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَانْتَقَضَتْ جِرَاحَتُهُ زَمَنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُونَ سَنَةً. وَقِيلَ مَاتَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ حَدِيثًا (أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتُمْ أَعْلَمُ» أَكْثَرُ عِلْمًا «بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِكُمْ بِذَلِكَ وَعَدَمِ اشْتِغَالِي لِعَدَمِ قَدْرِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْحَقُ بِهِ نَقْصٌ بَلْ يَزِيدُ كَمَالًا إذْ الدُّنْيَا مَعَ مَا فِيهَا مَلْعُونَةٌ إلَّا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِلْمُ نَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ.
وَعِنْدَ وُقُوعِ الْحَدِيثِ فِي الْجَامِعِ هَكَذَا زَادَ الْمُنَاوِيُّ عَلَيْهِ مُشْعِرًا بِكَوْنِهِ حَدِيثًا هَكَذَا «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ مِنِّي وَأَنَا أَعْلَمُ بِأَمْرِ أُخْرَاكُمْ مِنْكُمْ» فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ إنَّمَا بُعِثُوا لِإِنْقَاذِ الْخَلَائِقِ مِنْ الشَّقَاوَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَفَوْزِهِمْ بِالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ فَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَإِنْ كَانُوا أَحْذَقَ النَّاسِ فِي أَمْرِ الْوَحْيِ وَالدُّعَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُمْ أَشْرَحُ النَّاسِ قُلُوبًا مِنْ جِهَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَجَمِيعُ مَا يُشَرِّعُونَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَحْيِ وَلَيْسَ لِلْأَفْكَارِ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ» فِعْلًا أَوْ كَفًّا أَوْ مُطَابَقَةً وَالْتِزَامًا إذْ النَّهْيُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْأَمْرِ فَمَعْنَى لَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ اُكْفُفْ عَنْهُ لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ شَيْءٍ نَكِرَةٌ فِي الْمُثْبَتِ فَخَاصٌّ وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ إذْ الْمُتَبَادَرُ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ إذَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَخُذُوهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا يَعُمُّ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ إذْ الظَّرْفُ الْمُسْتَقِرُّ صِفَةٌ لِشَيْءٍ وَالْمُتَكَلِّمُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ فَالنَّبِيُّ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ «فَخُذُوا بِهِ» تَمَسَّكُوا وَاعْتَصِمُوا بِهِ فَالِاسْتِشْهَادُ حَاصِلٌ بِهِ.
(ت) التِّرْمِذِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ» أَيْ إيمَانًا كَامِلًا وَنَفْيُ اسْمِ الشَّيْءِ بِمَعْنَى نَفْيِ كَمَالِهِ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ وَيُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ إذْ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا مَنْ لَا يُحِبُّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ «حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ» أَيْ مَيْلُهُ وَمَحَبَّتُهُ «تَبَعًا» تَابِعًا «لِمَا جِئْت بِهِ» مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الشَّرَائِعِ فَلَا يَخْتَارُ شَيْئًا بِلَا إذْنٍ شُرِعَ فَيَجْعَلُ هَوَاهُ تَابِعًا لِلشَّرْعِ وَلَا يَجْعَلُ الشَّرْعَ تَابِعًا لِهَوَاهُ (خ م) الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «وَاَللَّهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي» فِي الْمُنَاوِيِّ عَنْ الْقَاضِي إمَّا أُمَّةُ دَعْوَةٍ فَيَشْمَلُ الْكَافِرَ أَوْ أُمَّةُ إجَابَةٍ فَيَخُصُّ بِالْمِلَلِ الثَّلَاثِ وَالسَّبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ.
وَعَنْ الطِّيبِيِّ فِي التَّعَدِّيَةِ بِلَفْظِ عَلَى إشَارَةٌ إلَى غَلَبَةِ الْهَلَاكِ «كَمَا أَتَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ» مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ.
وَعَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ التِّرْمِذِيِّ الْكَافُ فِي كَمَا اسْمِيَّةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ يَضْحَكْنَ عَنْ كَالْبَرَدِ بِمَعْنَى مِثْلُ وَمَحَلُّهُ مِنْ الْإِعْرَابِ رُفِعَ لِأَنَّهُ فَاعِلُ لَيَأْتِيَن أَيْ مِثْلُ الَّذِي أَتَى «حَذْوَ» بِالنَّصْبِ مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ يَحْذُونَهُمْ حَذْوَ «النَّعْلِ» الْحَذْوُ الْقَطْعُ وَالتَّقْدِيرُ يُقَالُ حَذَوْت النَّعْلَ