«فَلَهُ أَجْرُ مِائَةِ شَهِيدٍ» مَقْتُولٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِإِعْزَازِ دِينِهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ لِأَنَّ إتْيَانَ السُّنَّةِ حِينَئِذٍ كَالْمُجَاهِدِ الْمُقَاتِلِ فِي الْغُزَاةِ وَالصَّبْرِ عَلَى إتْيَانِ السُّنَّةِ أَشَقُّ مِنْ الصَّبْرِ فِي الْمَعْرَكَةِ إذْ الْبَلِيَّةُ إذَا عَمَّتْ طَابَتْ وَإِذَا خَصَّتْ أَتْعَبَتْ وَشَقَّتْ وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ إنَّ جِهَادَ النَّفْسِ هُوَ الْجِهَادُ الْأَعْظَمُ وَفِي الْحَدِيثِ إنَّ «خَيْرَ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا وَأَجْرُكُمْ بِقَدْرِ تَعَبِكُمْ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْتَمْسِكُ بِسُنَّتِي عِنْدَ اخْتِلَافِ أُمَّتِي كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ» .
وَقَالَ «حِفْظُ الدِّينِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَالْجَمْرِ فِي الْيَدَيْنِ إنْ وَضَعَهُ طَفِئَ وَإِنْ أَمْسَكَهُ احْتَرَقَ» كَمَا حَرَّرَ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي خواجه زَادَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَعَنْ الْمَوَاهِبِ: وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْمُجَاهَدَةِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْمَأْلُوفِ وَفِيهِ قَهْرُ النَّفْسِ وَالْمُحَارَبَةُ لَهَا وَالْجِهَادُ مَعَهَا جِهَادٌ أَكْبَرُ
دِيَةُ مَقْتُولِ الْخَلْقِ أَلْفُ دِينَارٍ ... وَدِيَةُ مَقْتُولِ الْحَقِّ رُؤْيَةُ الْغَفَّارِ
ثُمَّ أَقُولُ لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمِائَةِ هُوَ بَيَانُ قَدْرِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ لَا الْحَصْرِ بِهِ بَلْ قَدْ يَزِيدُ وَقَدْ لَا يَبْلُغُ عَلَى حَسَبِ تَمَسُّكِ الْمُتَمَسِّكِ وَحَالِهِ إذْ التَّمَسُّكُ يَقْتَضِي زَمَانًا مُتَمَادِيًا بِتَمَادِي الْعُمْرِ فَرُبَّ نَفْسٍ يَقْتُلُهَا صَاحِبُهَا كَثِيرًا وَرُبَّ نَفْسٍ أَكْثَرُ مِنْهُ أَوْ أَقَلُّ وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «مَنْ تَمَسَّكَ بِالسُّنَّةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَإِلَّا فَالْمُبْتَدِعُ الْفَاسِقُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ آخِرًا ثُمَّ قَالَ عَنْ الْبِسْطَامِيِّ قُدِّسَ سِرُّهُ هَمَمْت أَنْ أَسْأَلَ اللَّهَ كِفَايَةَ مُؤْنَةِ الطَّعَامِ ثُمَّ قُلْت كَيْفَ يَجُوزُ لِي أَنْ أَسْأَلَ مَا لَمْ يَسْأَلْهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
وَعَنْ الدَّارَانِيِّ رُبَّمَا وَقَعَ فِي قَلْبِي نُكْتَةٌ مِنْ نُكَتِ الْقَوْمِ أَيَّامًا فَلَا أَقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَعَنْ الْجُنَيْدِ - قُدِّسَ سِرُّهُ - الطُّرُقُ كُلُّهَا مَسْدُودَةٌ عَنْ الْخَلْقِ إلَّا عَلَى مَنْ اقْتَفَى أَثَرَ الْمُصْطَفَى.
وَعَنْ ابْنِ قِوَامٍ اسْتَأْذَنْت شَيْخِي فِي الْمُضِيِّ لِوَالِدِي فَأَذِنَ وَقَالَ سَيَحْدُثُ لَك اللَّيْلَةَ أَمْرٌ عَجِيبٌ فَاثْبُتْ وَلَا تَجْزَعْ فَخَرَجْت فَسَمِعْت صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَإِذَا أَنْوَارٌ مُتَسَلْسِلَةٌ فَالْتَفَتَ عَلَى ظَهْرِي حَتَّى أَحْسَسْت بِبَرْدِهَا فَرَجَعْت فَأَخْبَرْت الشَّيْخَ فَقَالَ هَذِهِ سِلْسِلَةُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(ت) التِّرْمِذِيُّ (عَنْ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحِ مُهْمَلَةٍ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ صَحَابِيٌّ مَاتَ فِي وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ الدِّينَ» هُوَ مِلَّةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَضْعٌ إلَهِيٌّ سَائِقٌ لِذَوِي الْعُقُولِ بِاخْتِيَارِهِمْ الْمَحْمُودِ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ بِالذَّاتِ «بَدَأَ» بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَيْ ابْتَدَأَ أَوْ بَدَا بِالْأَلِفِ أَيْ ظَهَرَ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ بَدَا الْأَمْرُ بُدُوًّا مِثْلُ قَعَدَ قُعُودًا أَيْ ظَهَرَ وَأَبْدَيْته أَظْهَرْته «غَرِيبًا» مُسْتَغْرَبًا يَسْتَغْرِبُ أَحْكَامَهُ كُلُّ أَحَدٍ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ وَائْتِلَافٍ بِهِ أَوْ هُوَ كَرَجُلٍ غَرِيبٍ لَا أَنِيسَ لَهُ وَلَا صَاحِبَ وَلَا حَافِظَ لَهُ وَلَا حَامِيَ يُوَاسِي أُمُورَهُ وَيَسْعَى فِي مَصَالِحِهِ «وَيَرْجِعُ غَرِيبًا» وَيَعُودُ إلَى الْغُرْبَةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَقِلُّ صَاحِبُهُ وَيَكْثُرُ مُخَالِفُهُ وَلَا يُوجَدُ نَاصِرُهُ بَلْ يُهَانُ آتِيهِ وَعَامِلُهُ فَيَصِيرُ كَالْمُسْلِمِ بَيْنَ الْكَافِرِ كَمَا فِي أَوَّلِهِ.
«فَطُوبَى» فُعْلَى مِنْ الطِّيبِ قَلَبُوا الْيَاءَ وَاوًا لِلضَّمَّةِ قَبْلَهَا وَيُفَسَّرُ بِالْجَنَّةِ وَالْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ وَالسَّلَامَةِ السَّرْمَدِيَّةِ وَالْخَصْلَةِ الْحَسَنَةِ وَغَايَةِ الْأُمْنِيَّةِ وَبِاسْمِ شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ «لِلْغُرَبَاءِ» جَمْعُ غَرِيبٍ هُوَ شَخْصٌ مُفَارِقٌ عَنْ وَطَنِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ «الَّذِينَ يُصْلِحُونَ» ضِدُّ الْإِفْسَادِ «مَا أَفْسَدَهُ النَّاسُ» الْعَوَامُّ الَّذِينَ رَضُوا أَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ بِإِيثَارِهِمْ مَا يَفْنَى مِنْ النِّعَمِ الْعَاجِلَةِ عَلَى مَا يَبْقَى مِنْ الْفَوْزِ وَالسَّعَادَةِ السَّرْمَدِيَّةِ