تَعَالَى وَصَنَّفْته فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا أَدْخَلْت فِيهِ حَدِيثًا إلَّا بِاسْتِخَارَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ فَيَتَيَقَّنُ صِحَّتَهُ. وَعَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ مَا قُرِئَ فِي شِدَّةٍ إلَّا فُرِجَتْ وَمَا رُكِبَ بِهِ فِي مَرْكَبٍ فَغَرِقَ وَأَنَّهُ كَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ وَلَقَدْ دَعَا لِقَارِئِهِ وَيُسْتَسْقَى بِقِرَاءَتِهِ قِيلَ وَهُوَ التِّرْيَاقُ الْمُجَرَّبُ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ قَرَأَ الْبُخَارِيَّ لِمُهِمَّاتٍ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ مَرَّةً وَقَضَى حَاجَاتِهِ وَعَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ دَائِمُ التَّصَدُّقِ لِلْفُقَرَاءِ وَالطَّلَبَةِ وَهُوَ نَفْسُهُ يَقْنَعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِلَوْزَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَقِيلَ لَمْ يَأْكُلْ الْإِدَامَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قِيلَ أَرْسَلَ إلَيْهِ الْأَمِيرُ نَائِبُ الْخِلَافَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ يَتَلَطَّفُ مَعَهُ وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالصَّحِيحِ وَيُحَدِّثَهُمْ فِي قَصْرِهِ فَامْتَنَعَ وَقَالَ لِرَسُولِهِ قُلْ لَهُ إنِّي لَا أُذِلُّ الْعِلْمَ وَلَا أَحْمِلُهُ إلَى أَبْوَابِ السَّلَاطِينِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِنْهُ فَلْيَحْضُرْنِي فِي مَسْجِدِي وَقَالَ الْعِلْمُ يُؤْتَى وَلَا يَأْتِي فَرَاسِلْهُ أَنْ يَعْقِدَ مَجْلِسًا لِأَوْلَادِهِ وَلَا يَحْضُرُ غَيْرُهُمْ فَامْتَنَعَ أَيْضًا وَقَالَ لَا يَسَعُنِي أَنْ أَخُصَّ بِالسَّمَاعِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ فَاسْتَعَانَ الْأَمِيرُ بِعُلَمَاءِ بُخَارَى عَلَيْهِ حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي مَذْهَبِهِ فَنُفِيَ عَنْ الْبَلَدِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ أَرِنِي مَا قَصَدُونِي بِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ فَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ فَلَمْ يَأْتِ شَهْرٌ إلَّا أَرْكَبُوا الْأَمِيرَ عَلَى الْحِمَار فَنُودِيَ عَلَيْهِ وَحُبِسَ إلَى أَنْ مَاتَ وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ سَاعَدَهُ إلَّا وَابْتُلِيَ بِبَلِيَّةٍ شَدِيدَةٍ وَتُوُفِّيَ فِي مَوْضِعٍ قَرِيبٍ بِسَمَرْقَنْدَ بِلَا وَلَدٍ ذُكِرَ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ عَنْ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَلَمَّا وُضِعَ فِي حُفْرَتِهِ فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَالْمِسْكِ وَكَانَ يَتَوَارَدُ النَّاسُ مُدَّةً لِأَخْذِ تُرَابِهِ الْكُلُّ مُلَخَّصٌ مِنْ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ لِعَلِيٍّ الْقَارِيّ

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أُمَّتِي» ظَاهِرُ الْإِضَافَةِ الظَّاهِرَةِ فِي الِاسْتِشْرَافِ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ وَبِهِ يَتِمُّ الْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ الِاسْتِشْهَادُ لِلِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ خِلَافًا لِمَنْ رَجَّحَ جَانِبَ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ بِشَهَادَةِ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِلًا حِينَئِذٍ دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ حِينَئِذٍ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ لِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا أَيْضًا.

«يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» دُخُولًا أَوَّلِيًّا أَوْ مُطْلَقًا فَافْهَمْ «إلَّا مَنْ أَبَى» امْتَنَعَ عَنْ الْجَنَّةِ إمَّا بِتَرْكِ الطَّاعَةِ أَوْ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الِامْتِنَاعُ عَنْ الدُّخُولِ الْأَوَّلِيِّ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ الْمُطْلَقُ أَوْ عَلَى الْأَوَّلِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ زِيَادَةُ تَغْلِيظٍ وَزَجْرٍ عَنْ الْمَعَاصِي لِإِيهَامِ ظَاهِرِ الصِّيغَةِ حِرْمَانَ صَاحِبِ الْمَعْصِيَةِ عَنْ الْجَنَّةِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فِي لَفْظِ الْإِبَاءِ ذِكْرٌ لِمُسَبِّبٍ وَإِرَادَةِ السَّبَبِ إذْ الْإِبَاءُ مُسَبَّبٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْإِبَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ هُوَ الِارْتِدَادُ عَلَى أَنْ يُرَادَ مَنْ أَطَاعَنِي دَامَ فِي الْإِيمَانِ بِي «قِيلَ» تَعَجُّبًا مَنْ هَذَا الْآبِي «وَمَنْ أَبَى» عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ عَطْفُ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ يَعْنِي نَعْرِفُ مَنْ يَدْخُلُ وَمَنْ أَبَى مِنْهَا.

«قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي» بِالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ «دَخَلَ الْجَنَّةَ» مَعَ السَّابِقِينَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا أَوْ مُطْلَقًا «وَمَنْ عَصَانِي» بِعَدَمِ التَّصْدِيقِ أَوْ بِارْتِكَابِ الْمُنْكَرِ «فَقَدْ أَبَى» عَنْ الدُّخُولِ الْأَوَّلِيِّ أَوْ الْمُطْلَقِ عَلَى حَسَبِ إرَادَةِ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ أَوْ الدَّعْوَةِ.

قَالَ فِي الْمُنَاوِيِّ عَنْ الطِّيبِيِّ وَحَقُّ الْجَوَابِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى فَعَدَلَ إلَى مَا ذَكَرَهُ تَنْبِيهًا بِهِ عَلَى أَنَّهُمْ مَا عَرَفُوا ذَاكَ وَلَا هَذَا إذْ التَّقْدِيرُ مَنْ أَطَاعَنِي وَتَمَسَّكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَزَالَ عَنْ الصَّوَابِ وَضَلَّ عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ دَخَلَ النَّارَ فَوَضَعَ أَبَى مَوْضِعَهُ وَضْعًا لِلسَّبَبِ مَوْضِعَ الْمُسَبَّبِ وَهَذَا قَرِيبٌ إلَى مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ الْقَارِيّ أَنَّ الْعُدُولَ لِإِرَادَةِ التَّفْصِيلِ أَقُولُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ لِأَنَّ فِي الْجَوَابِ إشَارَةً إلَى أَنَّ اللَّائِقَ بِحَالِ السَّائِلِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ مَجْمُوعِهِمَا لَا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَإِنَّ مَعْرِفَةَ السَّائِلِ الْأُمَّةَ الدَّاخِلَةَ فِي الْجَنَّةِ كُلًّا مَعْرِفَةٌ إمَّا لِعَدَمِ عِلْمِهِ سَبَبَ الدُّخُولِ فَأَجَابَ أَنَّ سَبَبَهُ هُوَ طَاعَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْكِتَابَ أَيْ الْقُرْآنَ كَافٍ فِي الدُّخُولِ بِلَا حَاجَةٍ إلَى السُّنَّةِ فَأَجَابَ بِمَا تَرَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِشْهَادَ إنَّمَا يَتِمُّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي الْجَوَابِ مِنْ إطَاعَةِ الرَّسُولِ حَاصِلُ التَّقْرِيرِ مَثَلًا الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ إطَاعَةً لِلرَّسُولِ وَإِطَاعَةُ الرَّسُولِ مُوجِبَةٌ وَلَوْ عَادِيَّةً لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَمَا شَأْنُهُ كَذَا فَوَاجِبٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015