فِي جِنْسِ مَا ذُكِرَ مَمْنُوعٌ «إذَا أَعْطَوْكُمْ الَّذِي عَلَيْهِمْ» مِنْ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ فَإِنَّهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ فِي حُرْمَةِ دِمَائِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ رَاجِعٌ إلَى مَجْمُوعِ الثَّلَاثَةِ وَمَا قِيلَ فِي الْأُصُولِيَّةِ مِنْ أَنَّ نَحْوَ الِاسْتِثْنَاءِ وَكَذَا الشَّرْطُ بَعْدَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَخِيرَةِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَيْسَ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ بَلْ فِي الظُّهُورِ.
قَالَ فِي التَّلْوِيحِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ رَدِّهِ إلَى الْجَمِيعِ وَإِلَى الْأَخِيرَةِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الظُّهُورِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعَوْدِ إلَى الْجَمِيعِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى التَّوَقُّفِ وَبَعْضُهُمْ إلَى التَّفْصِيلِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعَوْدِ إلَى الْأَخِيرَةِ.
وَأَمَّا إذَا أَبَوْا عَنْهَا فَلَا تُنْقَضُ ذِمَّتُهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتُؤْخَذُ جَبْرًا وَأَمَّا لَوْ أَبَوْا عَنْ قَبُولِهَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ كَمَا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ مُطْلَقًا فَتَجْرِي فِيهِمْ أَحْكَامُ أَهْلِ الْحَرْبِ فَمَا قِيلَ أَنَّهُ إذَا أَبَوْا بَطَلَتْ ذِمَّتُهُمْ فِي قَوْلٍ فَلَيْسَ بِحَسَنٍ (م عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ مَاتَ فِي الْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَسِنُّهُ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَا رَوَى عَنْ الْحَدِيثِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَأَرْبَعُونَ حَدِيثًا أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَطَبَ» فِي الْجَمْعِيَّةِ جُمُعَةً أَوْ عِيدًا أَوْ عِنْدَ اقْتِضَاءِ الْوَقَائِعِ مُطْلَقًا.
وَفِي بَعْضِ الْأُصُولِيَّةِ " إنَّ " كَانَ إذَا أُطْلِقَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ لِلدَّوَامِ أَوْ الْكَثْرَةِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الشَّأْنَ فِيهِ الْعُرْفُ فَإِنَّ أَصْلَهَا أَنْ تَصْدُقَ وَلَوْ عَلَى مَرَّةٍ أَقُولُ الْأَصْلُ فِي " كَانَ " هُوَ الِاسْتِمْرَارُ سِيَّمَا إذَا قُرِنَ بِقَرِينَةِ الِاسْتِمْرَارِ كَلَفْظِ إذَا فِي إذَا خَطَبَ سِيَّمَا فِي الْخَطَابِيَّةِ كَمَا فِي كُتُبِ الْمَعَانِي وَلِهَذَا قَدْ يُقَالُ أَنَّ إذَا سُوِّرَ لِلْكُلِّيَّةِ قَالَ فِي الْإِتْقَانِ إنَّ إذَا قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِمْرَارِ فِي الْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ وَالْحَاضِرَةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةِ نَحْوُ {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 14]- وَبِالْجُمْلَةِ الْمُتَبَادَرُ فِي أَمْثَالِهِ هُوَ الْكُلِّيَّةُ أَوْ الْأَكْثَرُ «احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ» الظَّاهِرُ حُدُوثُ الِاحْمِرَارِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْوَقْتِ لَا احْمِرَارُهُمَا الْأَصْلِيُّ الَّذِي هُوَ غَلَبَةُ الِاحْمِرَارِ عَلَى بَيَاضِ عَيْنَيْهِ كَمَا تُوُهِّمَ وَذَا لِكَمَالِ شَجَاعَتِهِ فِي تَبْلِيغِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى.
«وَعَلَا صَوْتُهُ» لِتَنْفِيذِ دَعْوَتِهِ إلَى الْجَوَانِبِ «وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ» لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ خَالَفَ زَوَاجِرَهُ فِي الْمُنَاوِيِّ عَنْ عِيَاضٍ هَذَا شَأْنُ الْمُنْذِرِ الْمَخُوفِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِنَهْيٍ خُولِفَ فِيهِ شَرْعُهُ «كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ» مُخَوِّفُهُمْ أَيْ كَمَنْ يُنْذِرُ قَوْمًا مِنْ جَيْشٍ عَظِيمٍ قَصَدُوا الْإِغَارَةَ عَلَيْهِمْ «يَقُولُ» حَالَ كَوْنِهِ يَقُولُ أَوْ صِفَةُ مُنْذِرٍ «صَبَّحَكُمْ» بِالتَّشْدِيدِ أَيْ أَدْرَكَكُمْ الْعَدُوُّ فِي الصُّبْحِ «وَمَسَّاكُمْ» أَتَاكُمْ وَقْتَ الْمَسَاءِ.
فِي الْمُنَاوِيِّ عَنْ الطِّيبِيِّ شَبَّهَ فِي خُطْبَتِهِ وَإِنْذَارِهِ بِقُرْبِ الْقِيَامَةِ وَتَهَالُكِ النَّاسِ بِحَالِ مَنْ يُنْذِرُ قَوْمَهُ عِنْدَ غَفْلَتِهِمْ بِجَيْشٍ قَرِيبٍ يَقْصِدُ الْإِحَاطَةَ بِهِمْ بَغْتَةً بِحَيْثُ لَا يَفُوتُهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَكَمَا أَنَّ الْمُنْذِرَ مِنْ كَمَالِ غَيْرَتِهِ يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَتَحْمَرُّ عَيْنَاهُ وَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ عَلَى تَغَافُلِهِمْ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْخَطِيبِ فِي أَمْرِ الْخُطْبَةِ أَنْ يَحْمَرَّ عَيْنُهُ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَيُحَرِّكَ كَلَامَهُ
وَعَنْ النَّوَوِيِّ وَلَعَلَّ اشْتِدَادَ غَضَبِهِ كَانَ عِنْدَ إنْذَارِهِ أَمْرًا عَظِيمًا وَعَنْ الْمَطَامِحِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إغْلَاظِ الْعَالِمِ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ وَالْوَاعِظِ عَلَى الْمُسْتَمِعِ وَشِدَّةِ التَّخْوِيفِ أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَمَارَةِ الرَّدِّ وَشِدَّةِ الْإِصْرَارِ أَوْ لِبَيَانِ مُطْلَقِ الْجَوَازِ وَإِلَّا فَالرِّفْقُ وَاللِّينُ شَرْطٌ «وَيَقُولُ بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَةُ» أَيْ الْقِيَامَةُ «كَهَاتَيْنِ» فِي شِدَّةِ الْقُرْبِ وَبَيْنَ الرَّاوِي الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي هَاتَيْنِ بِقَوْلِهِ.
«وَيَقْرُنُ» أَيْ يَجْمَعُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيُفَرَّقُ مِنْ التَّفْرِيقِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْوَاوِ وَاَلَّذِي لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ أَنَا وَالسَّاعَةُ وَلِلثَّانِي أَيْضًا وَجْهٌ وَالْمُعْتَمَدُ فِي مِثْلِهِ عَلَى صِحَّةِ الرِّوَايَةِ لَا مَسَاغَ لِلدِّرَايَةِ فِيهِ «بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» قِيلَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى بَقَاءِ شَرِيعَتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِلَى عَدَمِ تَخَلُّلِ شَرِيعَةٍ أُخْرَى لِعَدَمِ تَخَلُّلِ شَيْءٍ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا أَنَّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ