الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ «مِثْلُ الْقُرْآنِ» فِي الْكَمِّ وَالْعَدَدِ أَوْ فِي الْقُوَّةِ لَكِنْ لَا يَحْسُنُ مَعَ قَوْلِهِ «أَوْ أَكْثَرَ» إلَّا أَنْ تُؤَوَّلَ كَثْرَةُ الْقُوَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلْمِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ إذْ الْخَفَاءُ فِي دَلَالَةِ الْقُرْآنِ أَكْثَرُ وَالْوُضُوحُ فِي دَلَالَةِ السُّنَّةِ أَكْثَرُ.
وَأَمَّا مَا قِيلَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بِحَسَبِ الْقُوَّةِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ الْقُرْآنِ فِي صِفَةِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فَإِنْ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ فَنُسَلِّمُ ذَلِكَ إذْ الْقُرْآنُ كُلُّهُ ثَابِتٌ تَوَاتُرًا وَالْحَدِيثُ يَعِزُّ فِيهِ التَّوَاتُرُ اللَّفْظِيُّ أَوْ يَنْعَدِمُ عَلَى أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَإِنْ أُوجِدَ التَّوَاتُرُ الْمَعْنَوِيُّ لَكِنْ لَا يُفِيدُ إذْ الْكَلَامُ فِي ذَاتِ الْحَدِيثِ لَا فِي سَنَدِهِ وَطَرِيقِهِ وَإِنْ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ إذْ قَدْ عَرَفْت فِيمَا مَرَّ وَفِي مَحَلِّهِ أَنَّ السُّنَّةَ تَكُونُ نَاسِخَةً لِلْقُرْآنِ نَعَمْ يُرَجَّحُ الْكِتَابُ عَلَى السُّنَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا لَكِنْ هُوَ كَلَامٌ آخَرُ لَا يَضُرُّ الْمَقْصُودُ هُنَا وَبِمَا ذُكِرَ هُنَالِكَ أَمْكَنَ لَك أَنْ تَقُولَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقُوَّةِ وَالْأَكْثَرِيَّةُ فِي الْعَدَدِ فَإِنْ قِيلَ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ مُعَارَضٌ بِمِثْلِ حَدِيثِ «فَإِذَا رُوِيَ عَنِّي حَدِيثٌ فَأَعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا وَافَقَ فَاقْبَلُوهُ وَمَا خَالَفَ فَرُدُّوهُ» .
وَحَدِيثُ الْبَيْهَقِيّ «إنَّ الْحَدِيثَ سَيَفْشُو عَنِّي فَمَا آتَاكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ الْقُرْآنَ فَهُوَ عَنِّي وَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُخَالِفُ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ عَنِّي» .
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهَا تَكُونُ بَعْدِي رُوَاةٌ يَرْوُونَ عَنِّي الْحَدِيثَ فَأَعْرِضُوا حَدِيثَهُمْ عَلَى الْقُرْآنِ فَمَا وَافَقَ الْقُرْآنَ فَحَدِّثُوهُ وَمَا لَمْ يُوَافِقْ الْقُرْآنَ فَلَا تَأْخُذُوا بِهِ» قُلْت قَدْ سَبَقَ إلَيْهِ الْإِشَارَةُ أَنَّ مِثْلَهَا مَحْمُولٌ عَلَى حَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ قَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي مَوْضُوعَاتِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي نَعْرِفُ بِهَا كَوْنَ الْحَدِيثِ مَوْضُوعًا مُخَالَفَتُهُ لِصَرِيحِ الْقُرْآنِ.
وَلِهَذَا كَانَ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِ الْقُرْآنِ قَطْعِيًّا كَالْخَاصِّ وَالْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّ وَالْحَدِيثُ ظَنِّيًّا ثُبُوتًا كَخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ دَلَالَةً كَالْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ بِاعْتِبَارِ الْخَفَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأُصُولِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَبَقِيَ أَنَّهُ قِيلَ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ لِابْنِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى بَلْ لِأَنَّ عِلْمَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُكَاشَفَاتِهِ كَانَ يَزِيدُ لَحْظَةً فَلَمَّا رَأَى زِيَادَةَ عِلْمِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنَّهَا مِثْلُ الْقُرْآنِ قَالَ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ أَكْثَرَ أَيْ بَلْ أَكْثَرَ أَقُولُ هَذَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْحُكْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ لَا عَنْ عِلْمٍ فَلَا يُنَاسِبُ مَنْصِبَهُ الْعَالِيَ نَعَمْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهُ {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147]- {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9]- فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ ثُمَّ التَّحْقِيقُ فِي الْأَحَادِيثِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْقُرْآنِ إنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَبِحَسَبِ نَظَرِ الْأُمَّةِ.
وَأَمَّا بِحَسَبِ التَّحْقِيقِ فَهِيَ مُفَسِّرَاتٌ لِخَفَاءِ الْقُرْآنِ، وَاطِّلَاعُهَا مُخْتَصٌّ بِمَنْ هُوَ مُؤَيَّدٌ بِالْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ وَأَمَّا الْغَيْرُ وَإِنْ وَلِيًّا صَاحِبَ كَشْفٍ أَوْ عَالِمًا صَاحِبَ اجْتِهَادٍ فَلَا يَصِلُ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ كَمَا أُشِيرَ سَابِقًا «وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى» بِالْكَسْرِ «لَمْ يُحِلَّ» مِنْ الْإِحْلَالِ «لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ» مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَكَذَا غَيْرُهُمَا كَالْمُشْرِكِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ أَوْ الْمُقَايَسَةِ لِاشْتِرَاكِ الْعِلَّةِ الْمُشَارَةِ فِي قَوْلِهِ إذَا أَعْطَوْكُمْ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مُطْلَقُ الذِّمِّيِّ بِعُمُومِ الْمَجَازِ بِتِلْكَ الْقَرِينَةِ «إلَّا بِإِذْنٍ» .
قِيلَ عَنْ عَلِيٍّ الْقَارِيّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَهُوَ الْأَظْهَرُ «وَلَا ضَرْبَ نِسَائِهِمْ وَلَا أَكْلَ ثِمَارِهِمْ» أَيْ بِلَا إذْنٍ أَيْضًا لَعَلَّهُ تَرَكَهُ لِانْفِهَامِهِ مِنْ الْقَيْدِ السَّابِقِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إيذَاءٌ بِهِمْ وَإِيذَاؤُهُمْ لِقَبُولِ الْجِزْيَةِ كَإِيذَاءِ الْمُسْلِمِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَيَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ كَمَا فِي الْفَتَاوَى فَأَمْكَنَ لَك أَنْ تُرِيدَ بِهَا النَّهْيَ عَنْ مُطْلَقِ مَا يُؤْذِيهِمْ إذْ قَدْ يَنْتَقِلُ مِنْ عُمُومِ الْعِلَّةِ إلَى عُمُومِ الْحُكْمِ وَلَعَلَّ تَخْصِيصَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا لِاقْتِضَاءِ حَادِثَةٍ خَاصَّةٍ فِي وُرُودِ الْحَدِيثِ أَوْ لِابْتِلَاءِ الْخَلْقِ فِي زَمَانِهِ.
فَإِنْ قِيلَ قَدْ أُمِرْنَا فِي الشَّرْعِ بِأُمُورٍ مَعَهُمْ يَلْزَمُ فِيهَا الْأَذَى بِهِمْ كَعَدَمِ إرْكَابِهِمْ دَابَّةً إلَّا حِمَارَ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِ إلْبَاسِ الْعَمَائِمِ وَالْإِنْزَالِ فِي الْمَجَامِعِ وَالتَّضْيِيقِ فِي الْمُرُورِ وَنَحْوِهَا الْمُفَصَّلَةِ فِي الْفِقْهِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْإِهَانَةِ وَالْخُصُومَةِ قُلْت لَعَلَّ مِثْلَ هَذَا ثَابِتٌ بِأَدِلَّةٍ خِلَافَ الْقِيَاسِ أَوْ أَنَّ ثُبُوتَ الْأَذَى الشَّرْعِيِّ