وَكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ لَا أَجِدَنَّ «أَحَدَكُمْ» مَفْعُولٌ أَوَّلٌ لِأَجِد «مُتَّكِئًا» أَيْ مُعْتَمِدًا مَفْعُولُهُ الثَّانِي «عَلَى أَرِيكَتِهِ» سَرِيرِهِ «يَأْتِيهِ» جُمَلٌ حَالِيَّةٌ مِنْ الْفَاعِلِ أَيْ يَصِلُ إلَيْهِ «أَمْرِي» أَيْ شَأْنِي «مِمَّا أَمَرْت بِهِ أَوْ نَهَيْت عَنْهُ» صِيغَتَا مَعْلُومٌ أَوْ مَجْهُولٌ عَلَى طَرِيقِ الْخِلَافَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ أَوْ حَالٌ لَا بَيَانٌ لِأَمْرِي «فَيَقُولَ» مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ فِي جَوَابِ النَّهْيِ أَوْ النَّفْيِ.
«لَا أَدْرِي» أَيْ أَمْرَ الرَّسُولِ يَعْنِي لَا أَعْرِفُ أَمْرَ الرَّسُولِ الَّذِي لَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللَّه تَعَالَى مُرِيدًا قَصْرَ الْعَمَلِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ «وَمَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَا» .
إذْ مَعْنَاهُ مَا الْتَزَمْنَا تَبَعِيَّتَهُ هُوَ كِتَابُ اللَّهِ لَا غَيْرُ كَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَحَاصِلُ الْحَدِيثِ لَا تَقْصُرُوا الْمُتَابَعَةَ عَلَى الْكِتَابِ بَلْ أَجْمَعُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُنَّتِي وَفِيهِ أَمْرٌ أَكِيدٌ بِمُتَابَعَةِ السُّنَّةِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إذَا وَصَلَ إلَيْكُمْ أَمْرِي أَوْ نَهْيِي وَلَمْ يُوجَدْ فِي صَرِيحِ كِتَابِ اللَّهِ فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَقُولُوا لَا نَتَّبِعُ لِأَنَّ مَا لَزِمَنَا تَبَعِيَّتُهُ إنَّمَا هُوَ مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَالِاسْتِشْهَادُ مِنْ لُزُومِ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ حَاصِلٌ بِمَا ذُكِرَ فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ لَا يُوجَدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59]- قُلْت هَذَا عَلَى وَفْقِ مَا عَدُّوا السُّنَّةَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا مُقَابِلًا لِلْكِتَابِ وَإِلَّا فَالْجَمِيعُ رَاجِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْكِتَابِ وَقَدْ عَرَفْت مِمَّا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ جَوَازَ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ عِنْدَنَا فَتَأَمَّلْ (د) .
(عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ يُكَنَّى أَبَا نَجِيحٍ سَكَنَ الشَّامَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ «قَامَ فِينَا» خَطِيبًا «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ» فِي خُطْبَتِهِ «أَيَحْسَبُ أَحَدُكُمْ» حَالَ كَوْنِهِ «مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَظُنُّ» تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِيَحْسَب بِمُرَادِفِهِ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ بَدَلَ كُلٍّ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ فِي مِثْلِهِ لَا يُعْتَبَرُ الْقُيُودُ وَالْمُتَعَلِّقَاتُ بَعْدَ تَمَامِ أَصْلِ الْجُمْلَةِ بِنَفْسِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَالْمُسْنَدِ أَوْ يُعْتَبَرُ قَيْدُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ وَإِلَّا فَلَا تَتَّحِدُ الْجُمْلَتَانِ فَلَا يَظْهَرُ صِحَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَأَمَّلْ.
«إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا» وَكَذَا لَمْ يُحِلَّ اكْتَفَى بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ الْتِزَامًا أَوْ عَلَى طَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ الْمُقَايَسَةِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْعِلَّةِ أَوْ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا وَاكْتَفَى بِعَدَمِ الْحُرْمَةِ لَكِنْ ذَكَرَ عَدَمَ الْحِلِّ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَمَ الْحُرْمَةِ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحِلَّ إلَخْ فَكَأَنَّهُ كَانَ كَالِاحْتِبَاكِ.
«إلَّا مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ» حَاصِلُهُ لَا تَظُنُّوا انْحِصَارَ الْحُرْمَةِ وَالْحِلِّ بِمَا فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْصُلُ مِنْ سُنَّتِي مُمَاثِلًا لِمَا فِي الْقُرْآنِ بَلْ أَكْثَرُ مِنْهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ.
«أَلَا وَإِنِّي قَدْ أَمَرْت وَوَعَظْت وَنَهَيْت» عَلَى صِيَغِ الْمَعْلُومِ «عَنْ أَشْيَاءَ» قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ تَقْرِيرًا أَوْ سُكُوتًا فَهَذَا تَعْلِيلٌ أَوْ بَيَانٌ لِمَضْمُونِ السَّابِقِ مِنْ عَدَمِ انْحِصَارِ الْأَحْكَامِ بِالْقُرْآنِ وَمَا يَسْبِقُ إلَى الْوَهْمِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَوْ الْمُبَيِّنَ نَفْيُ انْحِصَارِ الْحُرْمَةِ بِالْقُرْآنِ وَصَرِيحِ الْعِلَّةِ أَوْ الْبَيَانِ لَيْسَ عَلَى وَفْقِهِ بَلْ زَائِدٌ عَلَيْهِ بِمَضْمُونِ قَوْلِهِ أَمَرْت وَوَعَظْت إذْ الْحُرْمَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ النَّهْيِ فَالدَّلِيلُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُقَدِّمَةٍ مُسْتَدْرَكَةٍ وَالْبَيَانُ لَيْسَ عَنْ الْمُبَيَّنِ فَمَدْفُوعٌ بِمَا أُشِيرَ آنِفًا إذْ الْمَطْلُوبُ عَامٌّ لِلْحُرْمَةِ وَالْحِلِّ بَلْ قَرِينَةٌ لِلْعُمُومِ فَيَخْرُجُ لَك تَأْيِيدٌ لِمَا ذُكِرَ هُنَالِكَ.
وَأَمَّا الْوَعْظُ أَيْ التَّرْغِيبُ وَالتَّرْهِيبُ وَالتَّبْشِيرُ وَالْإِنْذَارُ فَإِنَّمَا هُوَ لِتَرْوِيجِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ «أَنَّهَا» أَيْ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا أَمْرِي وَنَهْيِي وَوَعْظِي