«وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهَدٍ» أَيْ ذِمِّيٍّ إذْ سَبَقَ مَعَهُ عَهْدُ عِصْمَةِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَاللُّقَطَةُ مَالٌ أُخِذَ مِنْ الْأَرْضِ لِلرَّدِّ إلَى صَاحِبِهِ وَالتَّفْصِيلِ فِي الْفِقْهِيَّةِ وَبِعُمُومِ هَذِهِ الْعِلَّةِ يَدْخُلُ فِيهِ مَالُ الْمُسْتَأْمَنِ وَالتَّقْيِيدِ بِالذِّمَّةِ مَعَ إنَّ الْمُسْلِمَ كَذَلِكَ لِوُضُوحِ الْأَمْرِ فِيهِ أَوْ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مَظَانُّ إبَاحَةِ مَالِهِ أَوْ لَأَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ دَلَالَةً أَوْ مُقَايَسَةً ثُمَّ حُكْمُ أَخْذِ اللُّقَطَةِ الْوُجُوبُ إنْ خِيفَ الضَّيَاعُ وَإِلَّا فَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ بِالطَّمَعِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُهَا وَحُكْمُ الرَّدِّ إلَى صَاحِبِهَا الْوُجُوبُ أَيْضًا إنْ أُقِيمَ بُرْهَانٌ وَإِنْ ذَكَرَ عَلَامَةً فَقَطْ فَيَجُوزُ بِلَا وُجُوبٍ وَحُكْمُ حِفْظِهَا حُكْمُ أَمَانَةٍ فَلَا يُضْمَنُ بِلَا تَعَدٍّ إنْ أَشْهَدَ.
«إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا» أَيْ اللُّقَطَةِ «صَاحِبُهَا» لِحَقَارَتِهَا كَتَمْرَةٍ وَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَعَلَفِ الدَّوَابِّ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَهَا أَبَاحَ لِكُلِّ مَنْ أَخَذَهَا فَيَحِلُّ «وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ» أَيْ صَارَ ضَيْفًا عِنْدَهُمْ «فَعَلَيْهِمْ» بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ إنْ مُضْطَرًّا وَإِلَّا فَنُدِبَ «أَنْ يَقْرُوهُ» يُضَيِّفُوهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ قَرَيْت الضَّيْفَ إذَا أَحْسَنْته فَإِنْ لَمْ يُحْسِنُوهُ فَلَهُ أَخْذٌ قَدْرِهِ الْمُتَعَارَفِ فِي مِثْلِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «أَيُّمَا ضَيْفٍ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ قِرَاهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَأَصْبَحَ الضَّيْفُ مَحْرُومًا مِنْ الضِّيَافَةِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِمْ بِقَدْرِ مَا يُصْرَفُ مِنْ ثَمَنِ طَعَامٍ يُشْبِعُهُ لَيْلَتَهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ فَالضَّيْفُ يَسْتَحِقُّ لِذَاتِهِ فَالْمَنْعُ ظُلْمٌ لِعَدَمِ إعْطَاءِ حَقِّهِ لَكِنْ يُعْطَى بَدَلُهُ بَعْدَهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لَا يَضْمَنُ إذْ هُوَ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبِالْجُمْلَةِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى الضَّرُورَةِ وَقِيلَ مُخْتَصٌّ بِأَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَنُسِخَ «وَلَهُ» أَيْ يَجُوزُ لَهُ «أَنْ يُعْقِبَهُمْ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَالْعُقْبَى جَزَاءُ الْأَمْرِ فَالْمَعْنَى أَنْ يُجَازِيَهُمْ عَلَى مَنْعِهِمْ حَقَّهُ.
«بِمِثْلِ قِرَاهُ» أَيْ يَأْخُذُ مِثْلَ ضِيَافَتِهِ عَلَى قَدْرِ اضْطِرَارِهِ وَقِيلَ مُخْتَصٌّ عَلَى ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ لِفَقْرِهِمْ ثُمَّ نُسِخَ كَمَا عَرَفْت وَلَوْ لَمْ أَكُنْ رَأَيْت عَامَّةَ شُرَّاحِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا النَّهْجِ لَقُلْت فِي شَرْحِهِ وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا كَمَا مَرَّ أَنْ يَقْرُوهُ بِالضِّيَافَةِ وَسَائِرِ مَحَاوِيجِ الضَّيْفِ وَلَهُ أَيْ لِلضَّيْفِ يَجِبُ أَوْ يَنْدُبُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ أَيْ يُكَافِئَهُمْ وَيُقَابِلَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ أَيْ ضِيَافَتِهِ وَإِكْرَامِهِ عَلَى وَفْقِ {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]-.
(دت) أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ (عَنْ أَبِي رَافِعٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا أُلْفِيَنَّ» بِضَمِّ الْهَمْزَةِ