الْمَدْلُولَةَ مِنْ الْكِتَابِ كَالْأَحْكَامِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ السُّنَّةِ فِي لُزُومِ الِاتِّبَاعِ وَإِيجَابِ الْعَمَلِ بِلَا تَفَاوُتٍ بَلْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ عَيْنُهَا وَالْمُغَايَرَةُ لَيْسَ إلَّا فِي الظَّاهِرِ
فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجُلُ الْقَائِلُ الْمَذْكُورُ مُصِيبًا وَقَدْ رَدَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت نَعَمْ لَوْ كَانَ مُرَادُ الْقَائِلِ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ نَفْيُ الْمُرَاجَعَةِ بِالسُّنَّةِ وَالِاكْتِفَاءُ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ كَافِلًا لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَكِنْ لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ عَلَى فَهْمِهِ غَيْرِ الْمُؤَيَّدِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِأَنْوَارِ الْوَحْيِ وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِجَانِبِ الْحُرْمَةِ مَعَ أَنَّ جَانِبَ الْحِلِّ كَذَلِكَ إمَّا لِعِظَمِ خَطَرِ جَانِبِ الْحُرْمَةِ أَوْ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ فِيهَا لِمَجْبُولِيَّةِ النَّفْسِ عَلَى حُبِّ الْهَوَى أَوْ يُرَادُ تَعْمِيمُ الْحُرْمَةِ عَلَى مَا بِوَاسِطَةِ تَرْكِ الْمَشْرُوعَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ مِنْ الْحُرْمَةِ مُطْلَقُ الْمَنْعِ لِيَشْمَلَ نَحْوَ الْكَرَاهَةِ بَلْ تَرْكُ الْأَوْلَى وَأَيْضًا نَحْوُ السُّنَنِ بَلْ الْآدَابِ فَتَأَمَّلْ.
«أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ» أَيْ أَكْلُهُ لَا اسْتِعْمَالُهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَهْلِيِّ لِأَنَّ الْوَحْشِيَّ حَلَالٌ وَالْأَهْلِيُّ كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ هَذَا قِيلَ النَّهْيُ وَقَعَ يَوْمَ خَيْبَرَ هَذَا تَعْدَادٌ لِبَعْضِ مَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْكِتَابِ وَدَلَّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْقَصْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ لَيْسَ لِلِانْحِصَارِ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ لَعَلَّهُ لِخُصُوصِيَّةٍ اقْتَضَتْهُ الْوَاقِعَةُ وَالْحَادِثَةُ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِوُرُودِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَنَا فِي الْأَدِلَّةِ.
وَمَا رُوِيَ عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد «أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِكَ» فَقِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ مُضْطَرِبٌ مُخْتَلِفُ الْأَسَانِيدِ وَلَوْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاضْطِرَارِ وَقِيلَ عَلَى ثَمَنِهَا وَأُجْرَتِهَا
وَأَقُولُ حَدِيثُ الْحُرْمَةِ صَحِيحٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ بَلْ قَرِيبٌ إلَى الْمَشْهُورِ بِالْمَعْنَى فَلَا يُتَوَهَّمُ التَّعَارُضُ «وَلَا» يَحِلُّ أَكْلُ «كُلِّ ذِي نَابٍ» إذْ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ صِفَةُ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ لَا الْأَعْيَانِ «مِنْ السِّبَاعِ» النَّابُ هُوَ السِّنُّ خَلْفَ الرُّبَاعِيَّةِ الْمُرَادُ سَبْعٌ يَصِيدُ بِسِنِّهِ لَعَلَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ تَعْدَادَ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ أَيْضًا كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَكَذَا حَشَرَاتُ الْأَرْضِ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ فَإِنْ قِيلَ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مَعْرِضُ بَيَانٍ وَمَوْضِعُ تَعْدَادٍ قَالُوا كُلٌّ مِنْهُمَا يُفِيدُ الْحَصْرَ قُلْنَا لَا يُعْمَلُ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ فِي الْأَدِلَّةِ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ مَالِكٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145]- الْآيَةَ فَمَا لَا يُذْكَرُ فِي الْآيَةِ لَا يَكُونُ مُحَرَّمًا وَذُو النَّابِ وَالْمِخْلَبِ لَا يُذْكَرَانِ فِيهَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ لَكِنْ يُرَدُّ مِنْ طَرَفِ مَالِكٍ مُوجِبُ الْآيَةِ الْحَصْرَ عَلَى الْمَذْكُورِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ بِالْخَبَرِ الْوَاحِدِ لَيْسَ بِجَائِزٍ لِأَنَّهُ نُسِخَ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْخَبَرَ الْوَاحِدَ لَا يُفِيدُ الْحَرَامَ الْقَطْعِيَّ بَلْ مَا أَفَادَهُ ظَنِّيٌّ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْكَرَاهَةِ لَعَلَّك لَا تَجِدُ مُخَلِّصًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِادِّعَاءِ شُهْرَةِ الْحَدِيثِ وَلَوْ مَعْنًى وَقَدْ قَالُوا الزِّيَادَةُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ إذْ يُمْكِنُ شُهْرَتُهُ إذْ فِي الزَّيْلَعِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ وَابْنِ دَاوُد وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ.
وَعَنْ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ النَّوَوِيِّ أَيْضًا وَغَيْرِهِمْ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ رِوَايَةُ النَّهْيِ عَنْ ذِي نَابٍ وَمِخْلَبٍ.
لَكِنْ دَعْوَى الشُّهْرَةِ أَيْضًا فِي مِثْلِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيّ وَالْبَغْلِ وَالْيَرْبُوعِ وَابْنِ عُرْسٍ وَالْغُرَابِ الْأَبْقَعِ وَنَحْوِهَا بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُدَّعَى الْقِيَاسُ فِي بَعْضِهَا وَدَلَالَةُ النَّصِّ فِي بَعْضِهَا