شِبَعًا» (إلَّا لِأَجْلِ الضَّيْفِ حَتَّى لَا يَخْجَلَ) وَكَذَا لِتَطْيِيبِ قَلْبِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ (أَوْ لِصَوْمِ الْغَدِ) إنْ عَلِمَ الضَّعْفَ، وَإِلَّا فَإِقْلَالُ السَّحُورِ لِلصَّائِمِ مَطْلُوبٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِحْيَاءِ فَيَضْعُفُ مَا يُقَالُ هُنَا سَوَاءٌ حَصَلَ لَهُ ضَعْفٌ بِعَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الشِّبَعِ أَوْ لَا قِيلَ فِي الْخَيْرِ لَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ عَلَى مَا يَأْكُلُهُ مَعَ إخْوَانِهِ وَكَذَا عَلَى أَكْلِهِ السَّحُورَ وَمَا أَفْطَرَ عَلَيْهِ.
عَنْ الْمُبْتَغَى مَنْ نَزَلَ ضَيْفًا عَلَى إنْسَانٍ فَلَمْ يُضِفْهُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْهَرَ بِالشِّكَايَةِ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] يَعْنِي مُنِعَ مِنْهُ حَقُّهُ فِي الْقِرَى (وَمِنْهُ الْأَكْلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ) أَيْ فِي بَيَاضِ نَهَارِهِ فَقَطْ كَمَا سَيُعْلَمُ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الشِّرْعَةِ، وَلَا يَأْكُلُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّهُ مِنْ الْإِسْرَافِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْإِفْطَارَ وَالسَّحُورَ لِلصَّائِمِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ بَلْ اسْتِحْبَابِيٌّ. (هق) الْبَيْهَقِيُّ (عَنْ عَائِشَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا (أَنَّهَا قَالَتْ «رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ أَكَلْت فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ» مُنْكِرًا «يَا عَائِشَةُ أَمَا تُحِبِّينَ أَنْ لَا يَكُونَ لَك شُغْلٌ إلَّا جَوْفُكِ» الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّوْبِيخِ أَيْ لَا يَنْبَغِي لَك أَنْ لَا تُحِبِّي شَيْئًا غَيْرَ جَوْفِك (الْأَكْلُ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ مِنْ الْإِسْرَافِ) الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَأَنَّ ظَاهِرَ الصِّيغَةِ الْعُمُومُ كَاقْتِضَاءِ قَاعِدَةِ أُصُولِنَا لَكِنْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُخَصَّ ذَلِكَ بِعَائِشَةَ لِعِرْفَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَوْنَ أَكْلِهَا بِعَدَمِ الْجُوعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَادَاتِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْمَأْلُوفَاتِ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَفَّارَاتِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ لُزُومِ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَعَلَّ لِمِثْلِ هَذَا يُبَادِرُ الْمُصَنِّفُ التَّأْوِيلَ (وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) اقْتِبَاسٌ فِي مَقَامِ تَعْلِيلٍ.
(وَمِنْهُ أَكْلُ كُلِّ مَا اُشْتُهِيَ مج) ابْنُ مَاجَهْ (هق) الْبَيْهَقِيُّ (دُنْيَا) ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْإِسْرَافِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ» ؛ لِأَنَّهُ إلْهَاءٌ عَمَّا يُهِمُّ وَإِتْعَابٌ لِلنَّفْسِ لِتَحْصِيلِهِ لِمُجَرَّدِ حَظِّهَا وَاشْتِغَالٌ بِالدُّنْيَا عَنْ الْآخِرَةِ قِيلَ: وَلَمْ يُرِدْ النَّهْيَ عَنْ شُرْبِ كُلِّ مَا اشْتَهَيْتَ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَخَيَّرُ الْمَاءَ مِنْ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ وَيَطْلُبُ شُرْبَ الْعَذْبِ الزُّلَالِ مِنْهُ مَعَ كَمَالِ زُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا كَمَا فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِلْمُنَاوِيِّ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ) حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَنَسٍ (الْأَكْلَ فَوْقَ الشِّبَعِ أَوْ قَبْلَ الْهَضْمِ وَ) قَبْلَ (الْجُوعِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ إمَّا لِمَجْمُوعِ الْحَدِيثَيْنِ أَوْ الْبَعْضِ لِلْبَعْضِ أَوْ الْمَجْمُوعِ لِلْبَعْضِ وَالْبَعْضِ لِلْبَعْضِ وَالْكُلُّ مَنْظُورٌ فِيهِ إذْ إرَادَةُ فَوْقَ الشِّبَعِ مِنْ الْمَرَّتَيْنِ بَعِيدٌ وَكَذَا قَبْلِيَّةُ الْهَضْمِ وَالْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَجُوعُ وَيَزُولُ شِبَعُهُ وَكَذَا يَهْضِمُ فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ دَاعِيَ التَّشَهِّي هُوَ الْجُوعُ فَلَعَلَّ التَّأْوِيلَ الْأَوْلَى مَا أُشِيرَ إلَيْهِ آنِفًا فَحِينَئِذٍ لَا تَقْرِيبَ عَلَى أَنَّهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا نُنْكِرُ تَغَيُّرَ الْأَحْكَامِ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ فَافْهَمْ فَإِنَّ قَوْلَهُ (إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْأَكْلَ مَرَّتَيْنِ فِي بَيَاضِ النَّهَارِ لَا سِيَّمَا فِي الْأَيَّامِ الْقَصِيرَةِ خُصُوصًا لِمَنْ لَا يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ عَنْ جُوعٍ صَادِقٍ) لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ بَلْ يَشْعُرُ بِعَدَمِ التَّقْرِيبِ بِوَجْهٍ آخَرَ إذْ الْمَطْلُوبُ الْمُطْلَقُ وَمَا أَشْعَرَ بِهِ التَّعْلِيلُ التَّقْيِيدُ بِأَقْصَرَ وَالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْمَطْلُوبُ عَلَى الْجُزْئِيَّةِ (وَإِنْ أَكَلَ كُلَّ مَا اشْتَهَى فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الشِّبَعِ) غَالِبًا فَيَكُونُ إسْرَافًا لَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ الْمَطْلُوبَ مُطْلَقُ التَّشَهِّي فَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّقَيُّدِ بِقَوْلِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّ فِي