وَلِمَا تَلْبَسُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ زِيَارَةِ أَبَوَيْهَا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ لِمَا يُلْبَسُ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ فَإِنْ وَصَّى بِالزِّيَادَةِ فَمُشَارِكٌ لِلْوَلِيِّ فِي الْإِثْمِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الْوَلِيِّ (وَ) الزِّيَادَةُ (فِي الْوُضُوءِ) كَمًّا وَكَيْفًا وَكَذَا الْغُسْلُ.
(حَدّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ يَتَوَضَّأُ» مَعَ الْإِسْرَافِ «فَقَالَ مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ قَالَ أَوَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ» ، وَهُوَ طَاعَةٌ الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ أَتَقُولُ هَكَذَا، وَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِلْحَلَبِيِّ «قَالَ نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» لَعَلَّ هَذَا فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ فَسَعْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ كِبَارِ أَعْيَانِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَدَمُ عِرْفَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي مِثْلِ هَذَا الَّذِي تَعُمُّ فِيهِ الْبَلْوَى بَعِيدٌ مِنْ مِثْلِهِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ صُدُورَ أَصْلِ السَّرَفِ مِنْهُ عَلَى السَّهْوِ وَالذُّهُولِ أَوْ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرْتَبَةِ سَرَفٍ وَالسُّؤَالُ إمَّا لِتَعْلِيمِ الْغَيْرِ أَوْ لِزِيَادَةِ تَمْكِينِ الْخَاطِرِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ لَيْسَ كَمَعْرِفَتِهِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْرِفَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ بِطَرِيقِ الظَّنِّ وَبِالسُّؤَالِ يُسْتَحْصَلُ الْقَطْعُ وَالْيَقِينُ ثُمَّ إنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ إنْ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ أَوْ بِنِيَّةِ وُضُوءٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْكَافِي لَكِنَّ قَوْلَهُ بِنِيَّةِ وُضُوءٍ آخَرَ لَا يَخْلُو عَنْ خَفَاءٍ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ هُنَا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْحُدُودِ الْمَحْدُودَةِ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إنَّمَا تَكُونُ سَرَفًا إذَا لَمْ تَكُنْ بِنِيَّةِ طُولِ الْغُرَّةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْمَصَابِيحِ مَنْ «اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» نَعَمْ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فَاحِشَةً فِعْلُهَا سَرَفٌ أَيْضًا لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْإِسْرَافَ حَرَامٌ.
أَقُولُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ الْحُرْمَةِ فِي الْإِسْرَافِ إمَّا تَغْلِيبٌ أَوْ عُمُومُ مَجَازٍ أَوْ مِنْ قَبِيلِ بَيَانِ حُكْمِ أَكْثَرِ أَفْرَادِهِ أَوْ أَعْظَمِهِ، وَإِلَّا فَالْإِسْرَافُ كَمَا تَرَى يَتَحَقَّقُ فِي ضِمْنِ الْكَرَاهَةِ بَلْ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى، فَبِهَذَا يَنْدَفِعُ أَكْثَرُ الشُّبَهِ الْمُشَارَةِ إلَيْهَا فِيمَا مَرَّ ثُمَّ إنَّ كَوْنَ الزِّيَادَةِ مَكْرُوهَةً إنْ كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لَهُ أَوْ مَاءً مُبَاحًا، وَإِلَّا فَإِنْ وَقْفًا فَحَرَامٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ (وَمِنْهُ الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ) بِأَنْ لَا يَصِيرَ لَهُ مَيْلٌ إلَى الطَّعَامِ لَا أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى تَنَاوُلِ شَيْءٍ، وَقِيلَ فَوْقَ الشِّبَعِ أَكْلُ طَعَامٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَفْسَدَ مَعِدَتَهُ وَكَذَا فِي الشُّرْبِ، وَهَذَا حَرَامٌ قَطْعِيٌّ يَكْفُرُ مَنْ يَتَمَنَّى حِلَّهُ فَإِنَّهُ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ كَالزِّنَى وَاللُّوَاطَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ لِحِلِّهِ فِي بَعْضِ الْأَدْيَانِ، وَفِي أَوَائِلِ هَذَا الدِّينِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ فِي الْجَمِيعِ كَخِلَافِهِ لِحِكْمَتِهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ إضَاعَةُ الْمَالِ وَإِسْرَافٌ، وَأَصْلُ كُلِّ دَاءٍ كَالْجُوعِ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبِطْنَةُ أَصْلُ الدَّاءِ وَالْحِمْيَةُ أَصْلُ الدَّوَاءِ» فَأَكْثَرُ الْأَمْرَاضِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ وَالْمَرَضُ يَمْنَعُ الْعِبَادَاتِ وَيُشَوِّشُ الْقَلْبَ وَيَمْنَعُ الذِّكْرَ وَالْفِكْرَ وَيَمْنَعُ الْعَيْشَ وَيُحْوِجُ إلَى الدَّوَاءِ وَالطَّبِيبِ.
وَنُقِلَ عَنْ جَامِعِ الشُّرُوحِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ عِنْدَ كِسْرَى أَرْبَعَةٌ مِنْ الْأَطِبَّاءِ عِرَاقِيٌّ رُومِيٌّ هِنْدِيٌّ سُودَانِيٌّ فَقَالَ لَهُمْ مَا الدَّوَاءُ الَّذِي لَا دَاءَ مَعَهُ فَأَشَارَ الْكُلُّ غَيْرَ السُّودَانِيِّ إلَى دَوَاءٍ وَسَكَتَ هُوَ، وَهُوَ أَحْذَقُهُمْ فَقَالَ هُوَ أَنْ لَا تَأْكُلَ إلَّا بَعْدَ الْجُوعِ، وَأَنْ تَرْفَعَ يَدَك قَبْلَ الشِّبَعِ فَصَدَّقَهُ كُلُّهُمْ. وَقَدْ قِيلَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَمَعَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31] الطِّبَّ كُلَّهُ كَمَا قِيلَ كرجه خدا كفت كُلُوا وَاشْرَبُوا ليك عقبش كفت وَلَا تُسْرِفُوا. وَفِي الْحَدِيثِ «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ» .
وَرُوِيَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قِيلَ لَهُ أَلَا نَتَّخِذُ لَك الْجَوَارِشَ قَالَ وَمَا الْجَوَارِشُ قَالُوا هَاضُومٌ يَهْضِمُ الطَّعَامَ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوَيَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فَوْقَ الشِّبَعِ. وَعَنْ الِاخْتِيَارِ «تَجَشَّأَ رَجُلٌ فِي مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَضِبَ عَلَيْهِ، وَقَالَ نَحِّ عَنَّا جُشَاءَك أَمَا عَلِمْت أَنَّ أَطْوَلَ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ