بَيْنَهُمَا أَلِفٌ لَكِنْ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ عَنْ التُّحْفَةِ وَأَيْضًا عَنْ التَّنْقِيحِ آخِرُهُ مِيمٌ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَلَا» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ حَرْفُ تَنْبِيهٍ.
«إنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ» أَيْ تَنَبَّهُوا وَتَحَقَّقُوا إنِّي أُعْطِيت الْقُرْآنَ مِنْ الْوَحْيِ الْمَتْلُوِّ «وَمِثْلَهُ مَعَهُ» أَيْ وَأُوتِيت مِثْلَ الْقُرْآنِ مَعَهُ يَعْنِي آتَانِيَ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَهُ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْإِيتَاءِ هُوَ الْوَحْيُ فَالْقُرْآنُ الْوَحْيُ الْمَتْلُوُّ وَالسُّنَّةُ بِأَنْوَاعِهَا وَلَوْ حَدِيثًا قُدْسِيًّا بَلْ قِيَاسُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْيٌ غَيْرُ مَتْلُوٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]-.
وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «كَانَ جَبْرَائِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ يُعَلِّمُهُ إيَّاهَا كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ» فَالْمُرَادُ بِالْمُمَاثَلَةِ الِاتِّحَادُ فِي مُطْلَقِ الْوَحْيِ لَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ إذْ الْقُرْآنُ قَدِيمٌ صِفَةً لَهُ تَعَالَى مُعْجِزٌ لَفْظًا وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ أَيْضًا مُعْجِزًا مَعْنًى وَدَالًّا قَطْعِيًّا فَمَضْمُونُ الْحَدِيثِ قَطْعِيٌّ كَالْقُرْآنِ وَلِهَذَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْحَدِيثِ إنْ ثَبَتَتْ حَدِيثِيَّتُهُ فَلَا يَشْكُلُ بِنَحْوِ مَا يُخَصُّ بِالْقُرْآنِ مِنْ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَثَوَابِ التِّلَاوَةِ وَحُرْمَةِ مَسِّ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ.
«أَلَا يُوشِكُ» بِالْكَسْرِ مُضَارِعٌ مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ مِنْ أَوْشَكَ يُوشِكُ إيشَاكًا إذَا قَرُبَ وَالْمَعْنَى يَقْرُبُ أَنْ يَكُونَ «رَجُلٌ» اسْمُ يُوشِكُ وَخَبَرُهُ يَقُولُ قِيلَ التَّرْكِيبُ لِلنُّدْرَةِ «شَبْعَانَ» صِفَتُهُ مِنْ الشِّبَعِ ضِدُّ الْجُوعِ كِنَايَةٌ عَنْ الْمَغْرُورِ الْغَافِلِ الْمُنْهَمِكِ بِشَهْوَتِهِ فَتَقْيِيدُهُ بِالشِّبَعِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ الْحَامِلُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمَرْدُودِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ أَنَّ الشِّبَعَ سَبَبُ الْحَمَاقَةِ وَالْغَفْلَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَشْبَعْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا فِي الشِّفَاءِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا «لَمْ يَمْتَلِئْ جَوْفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شِبَعًا قَطُّ» «عَلَى أَرِيكَتِهِ» .
فِي الْقَامُوسِ الْأَرِيكَةُ كَسَفِينَةٍ، سَرِيرٌ فِي حَجَلَةٍ، أَوْ كُلُّ مَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ مِنْ سَرِيرٍ وَمِنَصَّةٍ وَفِرَاشٍ، أَوْ سَرِيرٌ مُتَّخَذٌ مُزَيَّنٌ فِي قُبَّةٍ أَوْ بَيْتٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَرِيرٌ فَهُوَ حَجَلَةٌ، جَمْعُهُ أَرَائِكُ انْتَهَى. فَالْمَعْنَى أَلَا يَقْرُبُ رَجُلٌ صَاحِبُ عَيْشٍ وَافِرٍ وَرَفَاهِيَةٍ جَالِسًا عَلَى تَخْتِهِ وَكُرْسِيِّهِ أَنْ «يَقُولَ» بِطَرِيقِ الْوَعْظِ أَوْ لِاحْتِجَاجِ بَعْضِ أَغْرَاضِهِ «عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ» فَقَطْ أَيْ لَا تَلْتَفِتُوا إلَى غَيْرِهِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَالسِّيَاقُ.
«فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ» أَيْ اتَّخِذُوهُ وَاحْكُمُوا بِحِلِّهِ «وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ» اعْتَقِدُوا حُرْمَتَهُ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ الْغَافِلُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي أَخْذِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ عَلَى الْقُرْآنِ، وَيُرِيدُ الْمَنْعَ عَنْ أَخْذِ الْأَحْكَامِ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ أَيْ السُّنَّةِ وَهَذَا زَعْمٌ بَاطِلٌ مِنْهُ إذْ تُؤْخَذُ الْأَحْكَامُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِ كَالسُّنَّةِ وَلِهَذَا رَدَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ» يُرِيدُ نَفْسَهُ أَيْ وَإِنَّ مَا حَرَّمْت لَعَلَّ إظْهَارَهُ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ لِلْإِشَارَةِ إلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ إذْ مُلَاحَظَةُ عِنْوَانِ الرِّسَالَةِ يَجْعَلُ الْحُكْمَ ضَرُورِيًّا «كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ» يَعْنِي الْأَحْكَامَ