لِأَنَّ اللَّعْقَ فِي أَثْنَائِهِ خِلَافُ الْأَدَبِ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: أَيْضًا وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا بِالْمِنْدِيلِ وَمِنْ السُّنَّةِ لَعْقُ الْقَصْعَةِ قِيلَ يَبْدَأُ فِي اللَّعْقِ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِالسَّبَّابَةِ ثُمَّ بِالْإِبْهَامِ. (م عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ» عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا وَتَرْكُهُ فِعْلُ الْأَعَاجِمُ وَالْجَبَابِرَةِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّ وَالْأَمْرُ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ حَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ وَحَمَلَهُ الظَّاهِرِيَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ وَبَالَغَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ هُوَ فَرْضٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ عِنْدَهُمْ عَلَى التَّخْيِيرِ إمَّا لَعْقُهَا أَوْ إلْعَاقُهَا فَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّدْبَ وَالْإِرْشَادَ يُبْعِدُ حُسْنَ الِاسْتِشْهَادِ بَلْ حُسْنُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ الْفَرْضِ، وَهُوَ كَمَا تَرَى لَيْسَ بِمَذْهَبٍ نَعَمْ جَمْعُ اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ هُوَ الْعَزِيمَةُ وَالْأَحْوَطُ لَكِنْ لَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ.
ثُمَّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَهَذَا أَدَبٌ حَسَنٌ وَسُنَّةٌ جَمِيلَةٌ لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ الشَّرَهِ فِي الطَّعَامِ وَبِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا يَحْتَاجُهُ وَالثَّلَاثُ فِيمَا يُمْكِنُ، وَإِلَّا فَيَسْتَعِينُ بِمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ أَصَابِعِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ كَرِهَ لَعْقَ الْأَصَابِعِ اسْتِقْذَارًا.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: عَابَ قَوْمٌ أَفْسَدَ عُقُولَهُمْ التَّرَفُّهُ لَعْقَ الْأَصَابِعِ وَاسْتَقْبَحُوهُ كَأَنَّهُمْ مَا عَلِمُوا أَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي لُعِقَ جُزْءٌ مِنْ الْمَأْكُولِ، وَإِذَا لَمْ يُسْتَقْذَرْ الْكُلُّ فَلَا يُسْتَقْذَرُ الْبَعْضُ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ قَالَ كَمَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَحِسَ أَصَابِعَهُ فَقَالَ السَّامِعُ " أَيْنَ بِي ادبست " يَكْفُرُ (فَفِي اللَّعْقِ) كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ (وَأَخْذِ السَّاقِطِ) كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ.
(فَوَائِدُ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِسْرَافِ) ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُحَرَّمًا قَطْعًا (وَرَفْعُ الْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ) فَهُمَا أَيْضًا كَمَا تَرَى فَلْيُتَأَمَّلْ (وَاحْتِمَالُ وُصُولِ الْبَرَكَةِ) إلَيْهِ كَمَا فِي حَدِيث إنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ (وَالِاقْتِدَاءُ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ) ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُهُ بَلْ عَادَتُهُ (وَالِامْتِثَالُ لِأَمْرِهِ) كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ (وَرَبْطُ الْعَتِيدِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ الْحَاضِرِ عِنْدَهُ مِنْ نِعَمِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ قَدْرَهَا (وَجَلْبُ الْمَزِيدِ) فِيمَا يُسْتَقْبَلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] .
(وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِسْرَافِ الْخَفِيِّ (عَدَمُ الْتِقَاطِ مَا سَقَطَ مِنْ الْأُرْزِ وَالْحِمَّصِ وَنَحْوِهِمَا لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْغَسْلِ) أَيْ غَسْلِ نَحْوِ الْأُرْزِ لِتَنْحِيَةِ نَحْوِ الْحَصَى وَالتُّرَابِ (حَتَّى يُرْمَى) عَلَى الْأَرْضِ (وَيُكْنَسَ) عَلَى الْقَمَائِمِ (فَإِنْ أَطْعَمَ كِسْرَاتِ الْخُبْزِ وَنَحْوِهِ الدَّجَاجَةَ) كَمَا اجْتَمَعَ مِنْ الْأُرْزِ وَنَحْوِهِ كَمَا قِيلَ. أَقُولُ لَا حَاجَةَ إلَى الِاجْتِمَاعِ بَلْ يَحْمِلُ الدَّجَاجَةَ إلَى تِلْكَ الْحُبُوبِ الْمُتَفَرِّقَةِ (أَوْ الشَّاةَ أَوْ الْبَقَرَةَ أَوْ النَّمْلَ أَوْ الطَّيْرَ لَا يَكُونُ إسْرَافًا) لِعَدَمِ إضَاعَتِهِ بَلْ فِيهِ أَجْرٌ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ «فِي كُلِّ» أَيْ إرْوَاءٍ «ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّاءَ» تَأْنِيثُ أَحَرَّ «أَجْرٌ» عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِحَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ، وَهُوَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ وَنُبِّهَ بِالسَّقْيِ عَلَى جَمِيعِ وُجُوهِ الْإِحْسَانِ مِنْ الْإِطْعَامِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ الْإِحْسَانَ إلَى الْحَيَوَانِ