وَإِنْ لَزِمَ الْخَصْمُ لَكِنْ لَا يُفِيدُ فِي مَقَامِ التَّحْقِيقِ فَتَأَمَّلْ.
«وَقَالَ) - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِكَعْبٍ أَمْسِكْ عَلَيْك بَعْضَ مَالِك فَهُوَ خَيْرٌ لَك» مِنْ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهِ كُلَّهُ لِمَعَاشِك وَلِخَلَاصِك مِنْ نَحْوِ ذُلِّ السُّؤَالِ (حِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ) لَمَّا قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَ، وَإِنَّ مِنْ قَبُولِ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ (وَكُلُّ هَذِهِ) الْأَحَادِيثِ (فِي) الْأَحَادِيثِ (الصِّحَاحِ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْمَالَ خَيْرًا) فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ (وَامْتَنَّ عَلَى حَبِيبِهِ بِهِ حَيْثُ قَالَ {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ) الْمَذْكُورَةِ فِي تَفْسِيرِهِ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالُوا إنَّهُ لَا حُجَّةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ (وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْمَالُ فِي هَذَا الزَّمَانِ سِلَاحٌ) يُدْفَعُ بِهِ شَرُّ الْأَعْدَاءِ وَيُعَانُ بِهِ الْأَوْلِيَاءُ فَإِنَّ بِالْمَالِ يُنْتَصَرُ عَلَى الْعَدُوِّ وَيُنْصَرُ دِينُ اللَّهِ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إذْلَالِ أَهْلِ الْبَاطِلِ، وَقَمْعِ شَوْكَتِهِمْ وَبِهِ يُوقَعُ الْهَيْبَةُ (عَرْضُهُ) مَنْ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِ.
(وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَطْلُبُ الْمَالَ) حَتَّى (يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ وَيَصُونَ) بِهِ ذُلَّ الْفَاقَةِ وَشَمَاتَةَ الْأَعْدَاءِ كَمَا قِيلَ الْعِلْمُ وَالْمَالُ يَسْتُرَانِ كُلَّ عَيْبٍ وَالْفَقْرُ وَالْجَهْلُ يَكْشِفَانِ كُلَّ عَيْبٍ.
وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
أَلَمْ تَرَيَا أَنِّي مُقِيمٌ بِبَلْدَةٍ ... مَرَاتِبُ أَهْلِ الْفَضْلِ فِيهَا مَجَاهِلُ
فَكَامِلُهُمْ مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ نَاقِصٌ ... وَنَاقِصُهُمْ مِنْ كَثْرَةِ الْمَالِ كَامِلُ
(فَإِنْ مَاتَ تَرَكَهُ مِيرَاثًا لِمَنْ بَعْدَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَافِظُ الصِّدِّيقُ الْحَنْبَلِيُّ مِنْ نُقَّادِ الْمُحَدِّثِينَ (مَتَى صَحَّ الْقَصْدُ) وَالنِّيَّةُ (فَجَمْعُ الْمَالِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ) قِيلَ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمَ الْمَقَاصِدِ. أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ مَعَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ فَمَا لَمْ يَصِحَّ الْقَصْدُ لَا يَكُونُ الْغَنِيُّ شَاكِرًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَتَاوَى هَلْ التَّقَاعُدُ لِلْعِبَادَةِ وَالتَّفَرُّغُ لَهَا أَفْضَلُ أَوْ الِاكْتِسَابُ بِنِيَّةِ التَّصَدُّقِ (وَمَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْمَالِ وَالدُّنْيَا) الْمَذْكُورُ بَعْضُهُ مِنْ الْآيَاتِ وَالسُّنَنِ وَكَلَامِ السَّلَفِ فَإِنْ قِيلَ إنَّ مَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ هُوَ الْآيَاتُ وَالسُّنَنُ فَمَا وَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِكَلَامِ السَّلَفِ؟ . قُلْنَا كَلَامُ السَّلَفِ إنَّمَا لَا يَصْلُحُ احْتِجَاجًا إذَا كَانَ اسْتِقْلَالًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي تَأْيِيدِ نَصٍّ فَلَا عَلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْتِهَاءً لِأَخْذِهِ مِنْهُمَا ابْتِدَاءً أَوْ عِنْدَ كَوْنِ الْمَطْلُوبِ ظَنِّيًّا قَدْ يُحْتَجُّ بِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الْخَطَابِيَّةِ الْمَقْبُولَةِ كَمَا مَرَّ (رَاجِعٌ إلَى صِفَتِهِ الضَّارَّةِ، وَهِيَ) أَيْ الصِّفَةُ الضَّارَّةُ (الْإِطْغَاءُ) أَيْ جَعْلُ صَاحِبِهِ طَاغِيًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى} [العلق: 6] {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7] (وَالْإِنْسَاءُ) مِنْ النِّسْيَانِ لِغَلَبَةِ الْحُبِّ (وَالْإِلْهَاءُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى