خُصُوصًا عِنْدَ مَنْ قَالَ الْقِرَانُ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ (وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» وَصَلَاحُهُ بِصَرْفِهِ عَلَى الْمَحَاوِيجِ كَمَا فُصِّلَ قَرِيبًا وَبَعِيدًا.
«وَدَعَا) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لِأَنَسِ) بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (وَكَانَ فِي آخِرِ دُعَائِهِ» الطَّوِيلِ كَمَا قِيلَ «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ» فَلَوْلَا فَضْلُ الْمَالِ لَمَا دَعَا بِهِ وَالْحَدِيثُ قِيلَ فِي الْبُخَارِيِّ، وَقِيلَ فِي مُسْلِمٍ فَيَكُونُ مِمَّا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَعْزِ بِهِ إلَيْهِمَا أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَعَادَتِهِ فِي سَائِرِهِ لَعَلَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ وَكَانَ أَنَسٌ يَخْدُمُ لَهُ عَشْرَ سِنِينَ، وَعَاشَ مِائَةً وَسِتِّينَ سَنَةً وَتُوُفِّيَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْعُمُرِ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَأَطِلْ حَيَاتَهُ وَوُلِدَ مِنْ صُلْبِهِ مِائَةٌ وَسِتَّةُ أَوْلَادٍ كَذَا فِي الْوَسِيلَةِ، وَلَمْ يَعْزِهِ إلَى كِتَابٍ لَكِنْ قَالَ كَمَا حَقَّقَهُ الْمُحَقِّقُونَ فَإِمَّا ضَعِيفٌ أَوْ رِوَايَةٌ أُخْرَى قِيلَ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْغِنَى عَلَى الْفَقْرِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَنَسٍ لِعِلْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنُورِ الْمُعْجِزَةِ أَمْنَهُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. أَقُولُ الْأَصْلُ هُوَ الْعُمُومُ، وَالْخُصُوصُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَأَنَّ التَّأْوِيلَ لَا يُرْتَكَبُ إلَّا بِضَرُورَةٍ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْبُسْتَانِ اُخْتُلِفَ هَلْ الْأَفْضَلُ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ أَوْ الْفَقِيرُ الصَّابِرُ فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] ، وَإِلَّا لَمَا امْتَنَّ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَحْسَنَ الْغِنَى مَعَ التُّقَى» ؛ وَلِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا أَكْرَمَكُمْ كَرَمُكُمْ وَشَرَّفَكُمْ غِنَاكُمْ، وَعَنْ بَعْضٍ
الْفَقْرُ فِي أَوْطَانِنَا غُرْبَةٌ ... وَالْمَالُ فِي الْغُرْبَةِ أَوْطَانُ
، وَعَنْ الْقُرْطُبِيِّ الْغَنِيُّ التَّقِيُّ يُضَاعَفُ لَهُ الْأَجْرُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَجْمَعُ الْمَالَ لِيَصِلَ بِهِ رَحِمَهُ مِنْ حِلِّهِ وَيُخْرِجَ مِنْهُ حَقَّهُ وَيَصُونَ بِهِ عِرْضَهُ، وَقِيلَ بِالثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى} [العلق: 6] {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7] لِحَمْلِ الْمَالِ عَلَى الطُّغْيَانِ؛ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} [هود: 27] فَدَلَّ أَنَّ الْفُقَرَاءَ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ؛ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْفَقْرُ وَالْجِهَادُ حِرْفَتِي وَمَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي» لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ مَنْ أَحَبَّنِي فَارْزُقْهُ الْعَفَافَ وَالْكَفَافَ وَمَنْ أَبْغَضَنِي فَأَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ» .
وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُصِيبُ عَبْدٌ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا نَقَصَ مِنْ دَرَجَاتِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ كَرِيمًا عِنْدَ اللَّهِ، وَعَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْفَقْرُ مَشَقَّةُ الدُّنْيَا مَيْسَرَةُ الْآخِرَةِ؛ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا» الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ الْفَقْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْغِنَى، وَلَكِنْ لَا عَيْبَ فِي الْغِنَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْأَغْنِيَاءُ كَثِيرًا فِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِتَرْكِهِ، وَإِنَّمَا الْعَيْبُ عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ فِعْلِهِ خِلَافَ مَا أُمِرَ بِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي زَمَانِهِمْ، وَأَمَّا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَالْفَقْرُ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ لِكَوْنِ غَالِبِ أَمْوَالِهِمْ الْحَرَامَ أَوْ الشُّبْهَةَ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
أَقُولُ قَدْ سَمِعْت مِرَارًا فَارْجِعْ لَكِنَّ قَوْلَهُ لِكَوْنِ غَالِبِ أَمْوَالِهِمْ إلَخْ خَارِجٌ عَنْ نَظَرِ الْمَقَامِ وَدَعْوَى عُمُومِ الْأَشْخَاصِ مُكَابَرَةٌ وَسُوءُ ظَنٍّ بِالْمُسْلِمِينَ وَبِالْجُمْلَةِ إنْ أُرِيدَ عُمُومُ الْأَفْرَادِ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ يَعْنِي الِاسْتِقْرَاءَ التَّامَّ فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ، وَأَنَّ النَّاقِصَ فَلَيْسَ بِمُفِيدٍ وَدَعْوَى ظَنِّيَّةِ الْمَطْلُوبِ، وَأَنَّ الْفَرْدَ مُلْحَقٌ بِالْأَعَمِّ وَالْأَغْلَبِ فِي الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ وَاللُّغَةِ