يَوْمَ التَّنَادِّ لُدُّوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ. (فَآفَاتُهَا) أَيْ آفَاتُ الدُّنْيَا، وَفِي نُسْخَةٍ فَأَفَادَ أَيْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (كَوْنَهَا عَدُوَّةَ اللَّهِ تَعَالَى) ؛ لِأَنَّهَا أَبْغَضُ الْخَلْقِ إلَيْهِ (وَ) كَوْنَهَا (جِيفَةً وَمَلْعُونَةً) أَيْ مَطْرُودَةً عَنْ مَوَاقِعِ الرِّضَا (وَصَادَّةً) أَيْ مَانِعَةً مُلْهِيَةً (عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُفْضِيَةً إلَى الْمَعَاصِي وَالْمَنَاهِي وَحَطِّ الدَّرَجَاتِ وَشِدَّةِ الْحِسَابِ) ؛ لِأَنَّهُ بِقَدْرِ الْمُحَاسَبَةِ عَلَيْهِ قِلَّةً وَكَثْرَةً (بَلْ) مُفْضِيَةٌ إلَى (الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَ) آفَاتُهَا (قِلَّةُ غَنَائِهَا) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ نَفْعِهَا (وَكَثْرَةِ عَنَائِهَا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ (وَسُرْعَةُ فَنَائِهَا وَخِسَّةُ شُرَكَائِهَا) إذْ الْمُشْرِكُ وَالْفَاسِقُ شُرَكَاءُ فِيهَا، وَقِيلَ كَالْبَهَائِمِ وَالْحَشَرَاتِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْآفَاتِ.
(الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي ثَمَرَاتِهِ) أَيْ حُبِّ الدُّنْيَا (وَذَمِّهَا) أَيْ الثَّمَرَاتِ (وَضِدِّهَا) ، وَهُوَ الزُّهْدُ فِيهَا، وَفِي نُسْخَةٍ وَضِدُّهُ أَيْ ضِدُّ حُبِّ الدُّنْيَا (وَمَدْحِهِ) أَيْ مَدْحِ الضِّدِّ (وَفِيهِ) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ (مَقَامَانِ: الْمَقَامُ الْأَوَّلُ فِي ثَمَرَاتِهِ. اعْلَمْ أَنَّ حُبَّ الْمَالِ وَالدُّنْيَا يُورِثُ الْحِرْصَ الْمَذْمُومَ، وَهُوَ الثَّلَاثُونَ) مِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ (وَهُوَ) أَيْ الْحِرْصُ (يُورِثُ التَّشَمُّرَ وَاسْتِغْرَاقَ الْأَوْقَاتِ) بِالْعَمَلِ (لِلصِّنَاعَاتِ وَالتِّجَارَاتِ) إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا (أَوْ) يُورِثُ (الطَّمَعَ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ) لِلْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ أَوْ الْكَسْلَانِ مَعَ الْحِرْصِ (وَهَذَا) أَيْ الطَّمَعُ (شَرٌّ مِنْ الْأَوَّلِ) قِيلَ أَيْ مِنْ التَّشَمُّرِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ (وَقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ) أَيْ الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ (وَضِدِّهِ) ، وَهُوَ التَّفْوِيضُ فِي مَبْحَثِ الرِّيَاءِ (ت عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ» أَيْ مُعْظَمَ هِمَّتِهِ، وَقَصْدِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي نَظَرِهِ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا بَلْ وُجُودُهُ، وَعَدَمُهُ سِيَّانِ عِنْدَهُ «جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ» فَيَقْنَعُ بِالْقَلِيلِ، وَلَا يَحْرِصُ فِي طَلَبِ الْكَثِيرِ فَلَا يَتْعَبُ لِأَجْلِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْ غِنَى الْقَلْبِ كَوْنُهُ مَلِيًّا وَمِكْثَارًا فِي جَمْعِ ذُخْرِ الْآخِرَةِ الَّذِي كَانَ سَبَبُهُ الْقَلْبَ.
وَفِي بَعْضِ الْمَوَانِعِ هَذِهِ الرُّبَاعِيَّةُ مَكْتُوبَةٌ عَلَى سَيْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
دَعْ الْحِرْصَ عَلَى الدُّنْيَا ... وَطُولَ الْعَيْشِ لَا تَطْمَعْ
وَلَا تَجْمَعْ مِنْ الْمَالِ ... فَلَا تَدْرِي لِمَنْ تَجْمَعْ
فَإِنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ ... وَسُوءُ الظَّنِّ لَا يَنْفَعْ
فَقِيرٌ كُلُّ ذِي حِرْصٍ ... غَنِيٌّ كُلُّ مَنْ يَقْنَعْ
(وَجَمَعَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ) مَا تَفَرَّقَ مِنْ أُمُورِهِ وَيُوصِلُهُ إلَى مَقْصُودِهِ بِأَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ