شُرَكَائِهَا، وَأَمَّا لِأَعْدَاءِ اللَّهِ فَلِأَنَّهَا تَتَزَيَّنُ فِي قُلُوبِهِمْ بِالْمَكْرِ وَالْحِيَلِ حَتَّى إذَا عَلِمَتْ أَنَّهُمْ أَحَبُّوهَا تَتْرُكُهُمْ وَتَنْضَمُّ إلَى غَيْرِهِمْ كَالْقَحْبَةِ تَتَحَوَّلُ مِنْ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ لِيُعَذَّبُوا فِي الدُّنْيَا بِنَارِ الْحَسْرَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِنَارِ النَّدَامَةِ بَلْ بِنَارِ الْقِيَامَةِ.
(هق دُنْيَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (أَنَّهُ قَالَ الدُّنْيَا حَلَالُهَا) كَالْإِرْثِ وَكَسْبِ الْحَلَالِ (حِسَابٌ) مُفْضٍ إلَى حِسَابٍ مِنْ أَيْنَ حَصَلَ، وَفِيمَ أُنْفِقَ، وَهَلْ أَدَّى حُقُوقَهُ (وَحَرَامُهَا النَّارُ) سَبَبٌ إلَى النَّارِ لَكِنَّهَا مُغَطَّاةٌ بِحِجَابِ الدُّنْيَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] فَإِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ زَالَ حِجَابُ الدُّنْيَا فَظَهَرَتْ النَّارُ كَمَا قَالَ - {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} [النازعات: 36] فِي الْإِحْيَاءِ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ إنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ، وَقَدْ غَرِقَ فِيهَا نَاسٌ كَثِيرٌ فَلْتَكُنْ سَفِينَتُك تَقْوَى اللَّهِ وَحَشْوُهَا الْإِيمَانَ وَشِرَاعُهَا التَّوَكُّلَ لَعَلَّك تَنْجُو وَمَا أَرَاك نَاجِيًا، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الدُّنْيَا حَانُوتُ الشَّيْطَانِ فَلَا تَسْرِقْ مِنْ حَانُوتِهِ فَيَجِيءُ فِي طَلَبِك فَيَأْخُذُك.
(طب عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَنَى فَوْقَ مَا يَكْفِيهِ» لِنَفْسِهِ، وَعِيَالِهِ وَأَضْيَافِهِ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِهِ الْمُتَعَارَفِ لِأَمْثَالِهِ «كُلِّفَ أَنْ يَحْمِلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَهُوَ لَيْسَ بِحَامِلٍ، وَهُوَ تَكْلِيفُ تَعْجِيزٍ وَتَعْذِيبٍ قِيلَ عَنْ الشِّرْعَةِ وَالسُّنَّةِ فِي مِقْدَارِ الْبِنَاءِ هُوَ فِي جِهَةِ الْعُلُوِّ سِتَّةُ أَذْرُعٍ فَمَا دُونَهَا كُلُّ ذِرَاعٍ سِتُّ قَبَضَاتٍ مَعَ أُصْبُعٍ قَائِمٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الِاحْتِيَاطِ.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ أَوْضَاعِ الْجَوَانِبِ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ السَّاكِنِ، وَالضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارَ الْحَاجَةِ فَمَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ جَاءَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِحَدِيثِ «مَنْ بَنَى» إلَخْ، وَفِي الْأَثَرِ مَنْ رَفَعَ بِنَاءَهُ فَوْقَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ نَادَى مُنَادٍ إلَى أَيْنَ يَا أَفْسَقِ الْفَاسِقِينَ. انْتَهَى. وَفِي الْفَيْضِ عَنْ الْغَزَالِيِّ مِنْ أَبْوَابِ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسِهِ حُبُّ التَّزَيُّنِ فِي الْبِنَاءِ وَالثِّيَابِ وَالْآثَارِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إذَا رَأَى ذَلِكَ غَالِبًا عَلَى قَلْبِ إنْسَانٍ فَلَا زَالَ يَدْعُوهُ إلَى عِمَارَةِ الدَّارِ وَتَزْيِينِ سُقُوفِهَا وَحِيطَانِهَا وَتَوْسِعَةِ أَبْنِيَتِهَا وَيَدْعُوهُ إلَى التَّزْيِينِ بِالْأَثْوَابِ الْفَاخِرَةِ وَالدَّوَابِّ فَلَا يَزَالُ يُدْرِجُهُ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ إلَى أَجَلِهِ فَيَمُوتُ، وَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى، ثُمَّ عَنْ الذَّهَبِيِّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مُنْكَرٌ، وَعَنْ الْعِرَاقِيِّ فِيهِ لِينٌ وَانْقِطَاعٌ
(طط عَنْ ابْن بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ هَوَانًا» أَيْ ذُلًّا وَحَقَارَةً، وَفِي رِوَايَةٍ سُوءًا بَدَلَ هَوَانًا «أَنْفَقَ مَالَهُ» أَنْفَدَهُ «فِي الْبُنْيَانِ» نَحْوُ أَجْرِ الصُّنَّاعِ، وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ وَالْمَاءِ وَالطِّينِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ أَوْ أَدَّى لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارٍ فَلَا يَعْمُرُهَا إلَّا الْأَشْرَارُ قِيلَ مِثْلُ هَذَا كُلِّهِ إنْ بِالْحَلَالِ، وَإِنْ بِالْحَرَامِ فَأَشَدُّ وِزْرًا كَمَا فِي حَدِيثِ «اتَّقُوا الْحَجَرَ الْحَرَامَ فِي الْبُنْيَانِ فَإِنَّهُ أَسَاسُ الْخَرَابِ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ خَرَابِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِقِلَّةِ الْبَرَكَةِ وَشُؤْمِ الْبَيْتِ أَوْ أَسَاسُ خَرَابِ الْبِنَاءِ نَفْسِهِ بِأَنْ يُسْرِعَ إلَيْهِ الْخَرَابُ فِي أَمَدٍ قَرِيبٍ، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ أَمْثَالُهُ عَلَى كَوْنِ الْبِنَاءِ مِنْ الْحَرَامِ أَوْ لِأَجْلِ الْكِبَرِ دُونَ الْأَجْرِ أَوْ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ لِئَلَّا يَتَوَسَّلَ النَّاسُ إلَيْهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَنَى بُنْيَانًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ كَانَ أَجْرُهُ جَارِيًا مَا انْتَفَعَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ أَقُولُ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْإِطْلَاقُ الشَّامِلُ لِلْحَلَالِ، وَأَنَّ الْعِلَّةَ مُطْلَقُ الْبِنَاءِ لَا الْمَالُ الْحَرَامُ وَيُؤَيِّدُهُ تَقْيِيدُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ فَوْقَ مَا يَكْفِيهِ وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ مَالَهُ إذْ الْأَصْلُ كَوْنُهُ مِنْ الْحَلَالِ بَلْ الْحَرَامُ لَيْسَ مَالًا لَهُ لَكِنَّ ارْتِفَاعَ الْبِنَاءِ لِدَفْعِ ثِقَلِ الْهَوَاءِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْحَاجَةِ.
وَأَمَّا لِلتَّفَاخُرِ وَالتَّكْبِيرِ فَلَا شَكَّ فِي حُرْمَتِهِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ الدُّنْيَا دَارُ خَرَابٍ، وَأَخْرَبُ مِنْهَا قَلْبُ مَنْ يَعْمُرُهَا وَالْجَنَّةُ دَارُ عُمْرَانٍ، وَأَعْمَرُ مِنْهَا قَلْبُ مَنْ يَطْلُبُهَا، وَقِيلَ أَيْنَ قَيَاصِرَةُ الْقُصُورِ، وَهَرَامِسَةُ الدُّهُورِ، وَأَيْنَ شَدَّادٌ، وَعَادٌ، وَأَيْنَ إرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ - فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَلْبَابِ - وَتَفَكَّرُوا