نَبِيِّهِمْ، وَهُمْ يَرْغَبُونَ فِيمَا زَهِدَ رُهْبَانُنَا قَالَ كَيْفَ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ فِي إقَامَةِ شِعَارِ دِينِهِمْ مِنْ تَدْرِيسٍ وَخَطَابَةٍ، وَإِمَامَةٍ عَرَضَ الدُّنْيَا وَرُهْبَانُنَا جَمِيعًا يَقُومُونَ بِأَمْرِ دِينِنَا مَجَّانًا فَانْظُرْ قُوَّةَ يَقِينِ أَصْحَابِنَا وَضَعْفَ يَقِينِ أَصْحَابِكُمْ فَلَوْ صَدَّقُوا رَبَّهُمْ أَنَّ مَا عِنْدَهُ خَيْرٌ، وَأَبْقَى لَزَهِدُوا فِي الدُّنْيَا كَنَبِيِّهِمْ كَذَا فِي الْفَيْضِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْحِكَمِ عَنْ وَهْبٍ صَحِبَ رَجُلٌ بَعْضَ الرُّهْبَانِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لِلِاسْتِفَادَةِ فَوَجَدَهُ مَشْغُولًا عَنْهُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ الْتَفَتَ فِي السَّابِعِ فَقَالَ يَا هَذَا عَلِمْت مَا تُرِيدُ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ، وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَيْرٍ، وَالتَّوْفِيقُ نَجَاحُ كُلِّ بَرٍّ قَالَ وَكَيْفَ أَعْرِفُ ذَلِكَ؟ .

قَالَ جَدِّي مِنْ الْحُكَمَاءِ شَبَّهَ الدُّنْيَا بِسَبْعَةٍ شَبَّهَهَا بِالْمَاءِ الْمَالِحِ يَغُرُّ، وَلَا يَرْوِي وَيَضُرُّ، وَلَا يَنْفَعُ وَبِظِلِّ الْغَمَامِ يَغُرُّ وَيَخْذُلُ وَبِالْبَرْقِ الْخُلَّبِ يَضُرُّ، وَلَا يَنْفَعُ وَبِسَحَابِ الصَّيْفِ يَغُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَبِزَهْرِ الرَّبِيعِ يَغُرُّ بِنَضْرَتِهِ ثُمَّ يَصْفَرُّ فَتَرَاهُ هَشِيمًا وَبِأَحْلَامِ النَّائِمِ يَرَى السُّرُورَ فِي مَنَامِهِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ لَمْ يَجِدْ إلَّا الْحَسْرَةَ وَبِالْعَسَلِ الْمَشُوبِ بِالسُّمِّ الزُّعَافِ يَضُرُّ وَيَقْتُلُ فَتَدَبَّرْت السَّبْعَةَ سَبْعِينَ مَرَّةً ثُمَّ زِدْت حَرْفًا وَاحِدًا فَشَبَّهْتهَا بِالْغُولِ الَّتِي تُهْلِكُ مَنْ أَجَابَهَا وَتَتْرُكُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا ثُمَّ عَنْ الْبَيْهَقِيّ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ إلَّا مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ، وَعَنْ الْعِرَاقِيِّ مَرَاسِيلُ الْحَسَنِ شِبْهُ الرِّيحِ، وَقَالُوا مَرَاسِيلُهُ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ عِنْدَهُمْ.

وَفِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ بَلْ مِنْ كَلَامِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا أَوْ مِنْ كَلَامِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَوْ مِنْ كَلَامِ جُنْدَبٍ الْبَجَلِيِّ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَعَدَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ كَابْنِ تَيْمِيَّةَ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ مَرَاسِيلَ الْحَسَنِ حَسَنٌ، وَأَوْرَدَهُ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ عَلِيٌّ الْقَارِيّ أَقُولُ الْقَائِلُ بِوَضْعِهِ لَمْ يُصَرِّحْ بِإِسْنَادِهِ وَالْأَسَانِيدُ مُخْتَلِفَةٌ وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إذَا صَحَّ إسْنَادُهُ؛ وَلِذَا عَنْ ابْنِ الْمَدَائِنِيِّ مَرَاسِيلُ الْحَسَنِ إذَا رَوَاهَا الثِّقَاتُ صِحَاحٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي مَرَاسِيلِهِ ضَعِيفٌ فَالِاعْتِمَادُ عَلَى عِمَادِ الْإِسْنَادِ.

(هق دُنْيَا مُوسَى بْنُ يَسَارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ فَمُرْسَلٌ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ دَاوُد بْنُ الْخَيْرِ ضَعِيفٌ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْمَوَاهِبِ، وَفِي الْفَيْضِ عَنْ الذَّهَبِيِّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَوْ مَتْرُوكٌ أَوْ مَوْضُوعٌ (أَنَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقًا» هُوَ «أَبْغَضُ إلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا» ، وَإِنَّمَا أَسْكَنَ فِيهَا عِبَادَهُ - {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الكهف: 7]- وَمَا نَظَرَ إلَيْهَا أَيْ نَظَرَ رِضًا «، وَأَنَّهُ مُنْذُ خَلَقَهَا» كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهَا» بُغْضًا لَهَا؛ لِأَنَّ أَبْغَضَ الْخَلْقِ إلَى اللَّهِ مَنْ آذَى أَوْلِيَاءَهُ وَشَغَلَ أَحْبَابَهُ وَصَرَفَ وُجُوهَ عِبَادِهِ عَنْهُ وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّيْرِ إلَيْهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالدُّنْيَا مَبْغُوضَةٌ لِأَوْلِيَائِهِ شَاغِلَةٌ لَهُمْ عَنْهُ فَصَارَتْ بَغِيضَةً لَهُ لِخِدَاعِهَا وَغُرُورِهَا فَهِيَ فِتْنَةٌ وَمِحْنَةٌ حَتَّى لِكِبَارِ الْأَوْلِيَاءِ وَخَوَاصِّ الْأَصْفِيَاءِ لَكِنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُمْ وَيُظْفِرُهُمْ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي طَلَبُ الدُّنْيَا إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا يَتَنَاوَلُهَا إلَّا تَنَاوُلَ الْمُضْطَرِّ مِنْ الْمَيْتَةِ إذْ هِيَ سُمٌّ قَاتِلٌ فَالْعَاقِلُ يَطْلُبُ مِنْهَا قَدْرَ مَا يُصَانُ الْوَجْهُ بِهِ عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْهَا لِكَوْنِهَا بَغِيضَةَ اللَّهِ، وَعَلَى تَوَقٍّ مِنْ سُمِّهَا وَحَذَرٍ مِنْ غَدْرِهَا وَغُرُورِهَا، وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ يُؤْتَى بِالدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى صُورَةِ عَجُوزٍ شَمْطَاءَ أَيْ مُصْفَرَّةِ اللَّوْنِ زَرْقَاءَ أَنْيَابُهَا بَادِيَةٌ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إلَّا كَرِهَهَا فَتَظْهَرُ عَلَى الْخَلَائِقِ فَيُقَالُ لَهُمْ أَتَعْرِفُونَ هَذِهِ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مَعْرِفَتِهَا فَيُقَالُ هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي تَفَاخَرْتُمْ بِهَا وَتَقَاتَلْتُمْ عَلَيْهَا وَتَقَاطَعْتُمْ الْأَرْحَامَ لَهَا وَتَحَاسَدْتُمْ وَتَبَاغَضْتُمْ وَاغْتَرَرْتُمْ ثُمَّ تُقْذَفُ فِي جَهَنَّمَ فَتُنَادِي أَيْ رَبِّ أَيْنَ أَتْبَاعِي، وَأَشْيَاعِي فَيَقُولُ اللَّهُ أَلْحِقُوا بِهَا أَتْبَاعَهَا، وَأَشْيَاعَهَا اللَّهُمَّ احْفَظْنَا. انْتَهَى.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدُّنْيَا عَدُوَّةٌ لِلَّهِ وَلِأَوْلِيَائِهِ وَلِأَعْدَائِهِ أَمَّا عَدَاوَتُهَا لَهُ تَعَالَى فَلِأَنَّهَا مِنْ قُطَّاعِ طَرِيقِ عِبَادِهِ تَعَالَى إذْ لَا سَعَادَةَ إلَّا لِمَنْ قَدِمَ إلَيْهِ تَعَالَى، وَلَا قُدُومَ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الدُّنْيَا، وَأَمَّا لِأَوْلِيَائِهِ فَلِأَنَّهَا تَتَزَيَّنُ إلَيْهِمْ فَتَخْطَفُ قُلُوبَهُمْ وَتَسْلُبُ نُفُوسَهُمْ فَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْهَا بِرِيَاضَاتٍ، وَأَتْعَابٍ شَدِيدَةٍ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ أَلْفٍ قَالَ بَعْضٌ: تُرِكَتْ الدُّنْيَا لِقِلَّةِ غَنَائِهَا وَكَثْرَةِ عَنَائِهَا وَسُرْعَةِ فَنَائِهَا وَخِسَّةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015