مَعَ عَيْشٍ أَبَدِيٍّ وَالدُّنْيَا بِخِلَافِهِ لَمْ تَسْتَحِقَّ أَنْ تُسَمَّى دَارًا فَمَنْ دَارُهُ الدُّنْيَا فَلَا دَارَ لَهُ قَالَ عِيسَى مَنْ ذَا الَّذِي يَبْنِي عَلَى الْمَوْجِ دَارًا تِلْكُمْ الدَّارُ فَلَا تَتَّخِذُوهَا قَرَارًا، وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ زِيدَ هُنَا قَوْلُهُ «وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ» ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْمَالِ الْإِنْفَاقُ فِي وُجُوهِ الْقُرَبِ فَمَنْ أَتْلَفَهُ فِي شَهَوَاتِهِ فَحَقِيقٌ بِأَنْ يُقَالَ لَا مَالَ لَهُ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ، وَلِذَلِكَ قُدِّمَ الظَّرْفُ عَلَى عَامِلِهِ فِي قَوْلِهِ «، وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ» لِغَفْلَتِهِ عَمَّا يُهِمُّهُ فِي الْآخِرَةِ وَيُرَادُ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقِلُ إنَّمَا يَجْمَعُ لِلْآخِرَةِ وَيَتَزَوَّدُ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى قَالَ فِي الْحِكَمِ لَا بُدَّ لِبِنَاءِ هَذَا الْوُجُودِ أَنْ تَنْهَدِمَ دَعَائِمُهُ، وَأَنْ تُسْلَبَ كَرَائِمُهُ فَالْعَاقِلُ مَنْ كَانَ بِمَا هُوَ يَبْقَى أَفْرَحَ مِنْهُ بِمَا هُوَ يَفْنَى، وَأَنْشَدَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا
أَيَا فُرْقَةَ الْأَحْبَابِ لَا بُدَّ لِي مِنْك ... وَيَا دَارَ دُنْيَا إنَّنِي رَاحِلٌ عَنْك
وَيَا قِصَرَ الْأَيَّامِ مَا لِي وَلِلْمُنَى ... وَيَا سَكَرَاتِ الْمَوْتِ مَا لِي وَلِلضَّحِكِ
وَمَا لِي لَا أَبْكِي لِنَفْسِي بِعَبْرَةٍ ... إذَا كُنْت لَا أَبْكِي لِنَفْسِي فَمَنْ أَبْكِي
أَلَا أَيُّ حَيٍّ لَيْسَ بِالْمَوْتِ مُوقِنًا ... وَأَيُّ يَقِينٍ مِنْهُ أَشْبَهُ بِالشَّكِّ
وَعَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا طَالِبَ الدُّنْيَا لِتَبَرَّ بِهَا تَرْكُهَا أَبَرُّ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا طَلَبْتُمْ مِنْ الدُّنْيَا شَيْئًا تَعَسَّرَ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا طَلَبْتُمْ مِنْ الْآخِرَةِ تَيَسَّرَ لَكُمْ» بَيْتٌ فَارِسِيٌّ
بد نيادل نه بندد هركه مرداست ... كه دُنْيَا سرتسر اندوه ودردست
بكورستان نظركن تأبيني ... كه دُنْيَا همنشينان راجه كردست
(هق) الْبَيْهَقِيُّ (دُنْيَا) ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا (عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ) مُرْسَلًا (أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ» بِشَهَادَةِ التَّجْرِبَةِ فَإِنَّ حُبَّهَا يَدْعُو إلَى كُلِّ خَطِيئَةٍ سِيَّمَا مَا يَتَوَقَّفُ تَحْصِيلُهُ عَلَيْهَا فَيُسْكِرُ عَاشِقَهَا حُبُّهَا عَنْ عِلْمِهِ بِتِلْكَ الْخَطِيئَةِ وَقُبْحِهَا، وَعَنْ كَرَاهَتِهَا وَاجْتِنَابِهَا وَحُبُّهَا يُوقِعُ فِي الشُّبُهَاتِ ثُمَّ فِي الْمَكْرُوهِ ثُمَّ فِي الْحَرَامِ بَلْ كَفَّرَ جَمِيعُ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبِينَ رُسُلَهُمْ لِحُبِّ الدُّنْيَا فَأَصْلُ كُلِّ خَطِيئَةٍ فِي الْعَالَمِ هُوَ حُبُّ الدُّنْيَا فَشَرُّ إبْلِيسَ لِحُبِّ الرِّيَاسَةِ الَّتِي هِيَ شَرٌّ مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ الدُّنْيَا خَمْرُ الشَّيْطَانِ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يُفِقْ مِنْ سَكْرَتِهَا إلَّا فِي عَسْكَرِ الْمَوْتَى خَاسِرًا نَادِمًا، وَفِي الْإِحْيَاءِ «مَرَّ مُوسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِرَجُلٍ، وَهُوَ يَبْكِي وَرَجَعَ، وَهُوَ يَبْكِي، وَقَالَ يَا رَبِّ عَبْدُك يَبْكِي مِنْ مَخَافَتِك فَقَالَ تَعَالَى يَا ابْنَ عِمْرَانَ لَوْ نَزَلَ دِمَاغُهُ عَلَى دُمُوعِهِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَسْقُطَ لَمْ أَغْفِرْ لَهُ، وَهُوَ يُحِبُّ الدُّنْيَا» .
(تَنْبِيهٌ) أَخَذَ بَعْضٌ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْخَذَ الْعِلْمُ إلَّا عَنْ أَقَلِّ النَّاسِ رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ أَنْوَرُ قَلْبًا فَكَيْفَ يُؤْخَذُ عِلْمٌ عَمَّنْ جَمَعَ رَأْسَ خَطِيئَاتِ الْوُجُودِ وَكَيْفَ، وَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ دُخُولِ حَضْرَةِ اللَّهِ وَحَضْرَةِ الرَّسُولِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَتَخَلَّقْ بِأَخْلَاقِ صَاحِبِ الْكَلَامِ لَا يُمْكِنُهُ دُخُولُ حَضْرَتِهِ، وَعَنْ نَصْرَانِيٍّ يَقُولُ لِفَقِيهٍ كَيْفَ يَزْعُمُ عُلَمَاؤُكُمْ وِرَاثَةَ