حَقِيرَةٌ، وَأَنَّهَا أَطْيَبُ حَلَالٍ فِي الدُّنْيَا لِحِفْظِهَا زَوْجَهَا مِنْ الْحَرَامِ، وَإِعَانَتِهَا عَلَى الْقِيَامِ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ؛ وَلِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلذَّرَارِيِّ الَّتِي هِيَ فِي حُكْمِ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صَالِحَةً كَانَتْ شَرَّ مَتَاعٍ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «حُبِّبَ إلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمْ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ» ، وَأَيْضًا «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ، وَأَيْضًا فِيهِ «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرَ اللَّهِ» ، وَأَيْضًا «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا مَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى» قَدْ أَعْلَمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ أَنَّ الدُّنْيَا مَبْغُوضَةٌ إلَيْهِ تَعَالَى إلَّا مَا فِيهِ دَرْءُ مَفْسَدَةٍ أَوْ جَلْبُ مَنْفَعَةٍ فَالْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ يَنْدَفِعُ بِهَا مَفْسَدَةُ الزِّنَا، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ جِمَاعُ الْمَنَافِعِ، وَالذِّكْرُ جِمَاعُ الْعِبَادَةِ وَمَنْشُورُ الْوِلَايَةِ وَالْكُلُّ يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهَا حُجَّةٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى قَالُوا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَعَنَهَا، وَأَبْغَضَهَا إلَّا مَا كَانَ لَهُ فِيهَا وَمَنْ أَحَبَّ مَا لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَبْغَضَهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلَعْنَتِهِ وَغَضَبِهِ كَذَا فِي الْفَيْضِ لَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ فَضَّلَ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْغَنِيِّ شَاكِرًا وَمِنْ جُمْلَةِ شُكْرِهِ جَعْلُ الدُّنْيَا وَسِيلَةً لِلْآخِرَةِ بِنَحْوِ الصَّدَقَةِ وَالصَّرْفِ إلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ فَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ فِي الْمُسْتَثْنَى فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً لَهُمْ قَالَ فِي شَرْحِ الْحِكَمِ، وَقِيلَ «أَوْحَى اللَّهُ إلَى الدُّنْيَا أَنْ تَضَيَّقِي وَتَشَدَّدِي عَلَى أَوْلِيَائِي وَتَرَفَّهِي وَتَوَسَّعِي عَلَى أَعْدَائِي حَتَّى يَشْتَغِلُوا بِك عَنِّي فَلَا يَتَفَرَّغُوا لِذِكْرِي» ، وَقَدْ سَمِعْت حَدِيثَ «يَا دُنْيَا اُخْدُمِي مَنْ خَدَمَنِي، وَأَتْعِبِي مَنْ خَدَمَك» .
وَأَنْشَدَ أَبُو الثَّعَالِي شِعْرًا
تَنَحَّ عَنْ الدُّنْيَا فَلَا تَخْطُبَنَّهَا ... وَلَا يَخْطُبَنَّ قِتَالَهُ مَنْ يُنَاكِحُ
فَلَيْسَ يَفِي مَرْجُوُّهَا بِمَخُوفِهَا ... وَمَكْرُوهُهَا إمَّا تَأَمَّلْتَ رَاجِحُ
(وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ)
هِيَ الدَّارُ دَارُ الْأَذَى وَالْقَذَى ... وَدَارُ الْفَنَاءِ وَدَارُ الْعِبَرْ
وَلَوْ نُلْتَهَا بِحَذَافِيرِهَا ... لَمِتَّ وَلَمْ تَكُ تَقْضِي الْوَطَرْ
أَيَا مَنْ يُؤَمِّلُ طُولَ الْبَقَاءِ ... وَطُولُ الْخُلُودِ عَلَيْهِ ضَرَرْ
إذَا مَا كَبِرْتَ وَبَانَ الشَّبَابُ ... فَلَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَ الْكِبَرْ
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ
دَارُ الدُّنْيَا كَأَحْلَامِ الْمَنَامِ ... وَسُرُورُهَا كَظِلِّ الْغَمَامِ
وَأَحْدَاثُهَا كَصَوَائِبِ السِّهَامِ ... وَشَهَوَاتُهَا كَمَشُوبِ خَلْطِ السِّمَامِ
وَفِتْنَتُهَا كَأَمْوَاجِ الْطَوَامِّ
(ت عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» مَثَلٌ لِزِيَادَةِ الْقِلَّةِ وَغَايَةِ الْحَقَارَةِ «مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ» أَيْ لَا يُمَتِّعُهُ أَدْنَى تَمَتُّعٍ هَذَا أَعْدَلُ شَاهِدٍ عَلَى حَقَارَةِ الدُّنْيَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: أَدْنَى عَلَامَاتِ الْفَقِيرِ لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا لِوَاحِدٍ فَأَنْفَقَهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثُمَّ خَطَرَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ مِنْهَا مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ مَاهِيَّةُ الْفَقِيرِ، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاَللَّهِ لَدُنْيَاكُمْ عِنْدِي أَهْوَنُ مِنْ عِرْقِ خِنْزِيرٍ فِي يَدِ مَجْذُومٍ، وَقَدْ قِيلَ
وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ لَا يَرَى مَا يَسُوءُهُ ... فَلَا يَتَّخِذْ شَيْئًا يَخَافُ لَهُ فَقْدًا
(دُنْيَا) ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصِيبُ عَبْدٌ مِنْ الدُّنْيَا شَيْئًا» ، وَلَوْ أَقَلَّ قَلِيلٍ فَإِنَّ التَّنْوِينَ لِلتَّقْلِيلِ وَالتَّحْقِيرِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ «إلَّا نُقِصَ» بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ «مِنْ دَرَجَاتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى» لَفْظَةُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ «، وَإِنْ كَانَ» ذَلِكَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ «عَلَيْهِ» أَيْ عَلَى اللَّهِ «كَرِيمًا» مُكْرَمًا مَحْبُوبًا لَعَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ صَرْفِ مَا أَصَابَهُ إلَى رِضَاهُ تَعَالَى بَلْ يَتَلَذَّذُ بِمُبَاحَاتِهِ، وَقِيلَ
هِيَ الدُّنْيَا أَقَلُّ مِنْ الْقَلِيلِ ... وَعَاشِقُهَا أَذَلُّ مِنْ الذَّلِيلِ
تَصُمُّ بِسِحْرِهَا قَوْمًا وَتُعْمِي ... فَهُمْ مُتَحَيِّرُونَ بِلَا دَلِيلِ
(حَدّ) أَحْمَدُ (ز) الْبَزَّارُ (حب) ابْنُ حِبَّانَ (حك) الْحَاكِمُ (هق) الْبَيْهَقِيُّ (عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ