كَمَا فِي حَدِيثِ «عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ» .
«وَوَجِلَتْ» بِكَسْرِ الْجِيمِ بِمَعْنَى الْخَوْفِ «مِنْهَا» تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْضًا «الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ» مِنْ الْحَاضِرِينَ لِشِدَّةِ اهْتِمَامِهِ خِلَافَ عَادَتِهِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ» الْمَوْعِظَةَ «مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ» أَيْ كَمَوْعِظَةِ مُوَدِّعٍ أَوْ هِيَ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ لِأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ حِينَ إرَادَةِ السَّفَرِ بِنَصَائِحَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا غَايَةَ الِاحْتِيَاجِ فَرْطًا لِحُبِّهِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَضِلَّ بَعْدَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ صَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ مُوَدِّعٍ لِهَوَاهُ مُوَدِّعٍ لِعُمْرِهِ وَسَائِرٌ إلَى مَوْلَاهُ وَقِيلَ يَعْنِي صَلِّ صَلَاةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بَعْدَهُ فَيُصَلِّي بِاسْتِفْرَاغٍ فِي إحْكَامِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ ثُمَّ فِي الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْوَاعِظِ أَنْ يَسْتَفْرِغَ جَهْدَهُ فِي إفَادَةِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَتَقْيِيدُ ذَلِكَ وَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّخْوِيفُ وَالتَّشْدِيدُ أَحْيَانًا «فَمَاذَا تَعْهَدُ إلَيْنَا» أَيْ تُوصِينَا.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَهْدُ الْوَصِيَّةُ «قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ وَفِي آخَرَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ رَأْسُ الْأَمْرِ كُلِّهِ «وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ» لِوُلَاةِ الْأُمُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [الأنفال: 21] يُقَالُ فُلَانٌ سَمِعَ مِنْ فُلَانٍ أَيْ امْتَثَلَ «وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا» يَعْنِي وَلَوْ كَانَ أَمِيرُكُمْ حَقِيرًا ذَلِيلًا كَالْعَبْدِ الْحَبَشِيِّ يَجِبُ عَلَيْكُمْ الطَّاعَةُ لَكِنْ هَذَا إنْ كَانَ أَمْرُهُ عَلَى نَهْجِ الشَّرْعِ وَإِلَّا فَلَا طَاعَةَ لِلْمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ.
قَالَ فِي الْفَتَاوَى وَكُلُّ مَأْمُورٍ بِإِطَاعَةِ مَنْ لَهُ الْأَمْرُ إنْ عَلَى الشَّرْعِ فَبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّرْعِ فَإِنْ أَدَّى عِصْيَانُهُ إلَى فَسَادٍ عَظِيمٍ فَيُطِيعُ فِيهِ أَيْضًا إذْ الضَّرَرُ الْأَخَفُّ يُرْتَكَبُ لِلْخَلَاصِ مِنْ الضَّرَرِ الْأَشَدِّ وَالْأَعْظَمِ وَكَذَا فِي كُلِّ مَفْسَدَتَيْنِ مُتَفَاوِتَتَيْنِ كَمَا فِي الْأَشْيَاءِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ دَاعِيَةٍ لِذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَى الرَّعِيَّةِ إتْيَانُهُ وَأَيْضًا لَا يُلَائِمُ لِجَوَابِ الْمُجِيبِ تَعْلِيلَهُ بِقَوْلِهِ «فَإِنَّهُ» أَيْ الشَّأْنَ «مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا» .
الظَّاهِرُ مِنْ السِّيَاقِ أَيْ فِي أَمْرِ الْخِلَافَةِ كَمَا فِي عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَمِنْ السِّيَاقِ أَيْ فِي مُطْلَقِ الْأُمُورِ كَخِلَافِيَّاتِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ مَا قَالَ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ «فَعَلَيْكُمْ» أَيْ الْزَمُوا «بِسُنَّتِي» .
الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُطْلَقِ وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ إلَّا أَنْ يُقَالَ نَفْهَمُ الْمُطْلَقَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ أَوْ الْمُقَيَّدُ خَاصٌّ وَالْمُطْلَقُ عَامٌّ فَالتَّقْرِيبُ تَامٌّ فَافْهَمْ «وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ» أَيْ خُلَفَائِي فِي الْقَامُوسِ الْخَلِيفَةُ السُّلْطَانُ الْأَعْظَمُ.
وَعَنْ الرَّاغِبِ الْخِلَافَةُ النِّيَابَةُ عَنْ الْغَيْرِ لِغَيْبَةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ أَوْ مَوْتِهِ أَوْ عَجْزِهِ أَوْ تَشْرِيفِ الْمُسْتَخْلَفِ وَعَلَى الْأَخِيرِ اسْتَخْلَفَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ وَالْمُرَادُ الْخِلَافَةُ الْكَامِلَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً» الَّتِي انْتَهَتْ بِشَهَادَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَمَا قِيلَ مِنْ تَجْوِيزِ مَنْ بَعْدَهُمْ إنْ سَارُوا سِيرَتَهُمْ مِنْ الْأَوْصَافِ الْآتِيَةِ فَكَالرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ إذْ بَعْضُ الْحَدِيثِ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ الْآخَرَ عَلَى أَنَّ آخِرَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَوْلِهِ «ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ» .
وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَقَدْ يُزَادُ «عَضُوضًا» يَأْبَى عَنْ ذَلِكَ وَأَيْضًا لَا يُلَائِمُ ذَيْلَ هَذَا الْحَدِيثِ