{وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح: 16] .

أَقُولُ إنَّ اسْتِفَادَةَ نُورِ الْقَمَرِ مِنْ الشَّمْسِ قَوْلٌ فَلْسَفِيٌّ لَا ثُبُوتَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ سُلِّمَ فَثُبُوتُهُ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ يَعْرِفُ بُرُوجَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَتَقَارُبَهُمَا وَتَقَابُلَهُمَا وَهَذَا لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَأَكْثَرُ مُخَاطَبَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى مُقْتَضَى فَهْمِ الْكُلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ وَالْمُفْرَدُ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ وَاللُّغَةِ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ وَبِهِ تَبَيَّنَ فَسَادُ حَالِ أَنْوَارِ النُّجُومِ فَإِنَّهُ لَا إمْكَانَ لِكَوْنِهَا مِنْ الْحَدَثَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْحُكْمِيَّةِ وَالْمِيزَانِيَّةِ ثُمَّ يُرْجَعُ الْكَلَامُ بَعْدَ تَسْلِيمِ مَا أَرَادَ مِنْ الْمَرَامِ إلَى وَجْهِ تَعْبِيرِهِ عَنْ الشَّمْسِ بِالسِّرَاجِ ثُمَّ أَقُولُ لَعَلَّ الْوَجْهَ الْوَجِيهَ فِي تَسْمِيَتِهِ بِالسِّرَاجِ هُوَ الْقُرْبِيَّةُ وَسُهُولَةُ الْأَخْذِ وَاخْتِصَاصُهُ لِلْبَعْضِ دُونَ الْكُلِّ وَهُوَ الْمُؤْمِنُونَ وَإِيقَادُهُ وَقْتَ قَصْدِ الِانْتِفَاعِ وَنَحْوِهَا وَفِي الْأَحْزَابِ {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] يَعِيشُ فِي الدُّنْيَا حَمِيدًا.

وَفِي الْآخِرَةِ سَعِيدًا يَعْنِي يَظْفَرُ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ وَفِي الْحَشْرِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] فَسَّرُوا بِمَالِ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] مِنْ الْغُلُولِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الِاعْتِصَامُ الْمُطْلَقُ وَتَفْسِيرُ الْمُفَسِّرِينَ يَخْتَصُّ بِنَحْوِ الْغَنِيمَةِ فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ إمَّا تَخْصِيصُ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ إرَادَةُ تَعْمِيمِ الْمُصَنِّفِ فَتَأَمَّلْ حَتَّى يَظْهَرَ لَك وَجْهُ الْمُصَنِّفِ أَوْ نَقُولَ الدَّلَالَةُ حَاصِلَةٌ بِمُلَاحَظَةِ قَوْلِهِ {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 7] فَإِنَّهُ فُسِّرَ بِمُطْلَقِ مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ وَكَذَا قَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7] لِمَنْ خَالَفَهُ مُطْلَقًا فَهَذِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ آيَةً لِلِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ.

(وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ) الدَّالَّةُ عَلَيْهِ أَيْضًا عَلَى اسْتِقْرَاءِ الْمُصَنِّفِ وَاخْتِيَارِهِ فَعِشْرُونَ حَدِيثًا وَهِيَ قَوْلُهُ (الْإِخْبَارُ) الْأَوَّلُ (د) مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (عَنْ الْعِرْبَاضِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (بْنِ سَارِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ» أَيْ نَفْسَ يَوْمٍ أَوْ لَفْظَةُ ذَاتَ مُقْحَمَةٌ لِتَحْسِينِ اللَّفْظِ وَالتَّأْكِيدِ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى اسْمِهِ مِثْلُ ذَاتَ مَرَّةٍ وَمُؤَنَّثُ ذُو أَصْلُهَا ذَوِي فَحُذِفَتْ الْيَاءُ مِنْهُ فَبَقِيَ ذُو وَعُوِّضَ التَّاءُ عَنْهَا فَصَارَتْ ذَوَتْ فَقُلِبَتْ الْوَاوُ أَلْفًا فَصَارَ ذَاتَ وَقَدْ قُطِعَتْ عَنْ الْإِضَافَةِ وَالْوَصْفِيَّةِ وَأُجْرِيَتْ مَجْرَى الْأَسْمَاءِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي النِّسْبَةِ إلَيْهَا ذَاتِيٌّ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ.

وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ وَهُوِيَّتِه وَعَلَى مَا يُقَابِلُ الْوَصْفَ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ النَّفْسِ وَالشَّيْءِ وَلِذَا يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ «ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا» قِيلَ نَقْلًا عَنْ الْمَوَاهِبِ فِي وَجْهِ لَفْظِ ثُمَّ إنَّ الْإِقْبَالَ بَعْدَ الْأَذْكَارِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ فِي هَذِهِ الْأَذْكَارِ مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ الْمَسْنُونُ الْمُتَوَارَثُ مِنْ التَّسْبِيحَاتِ وَالتَّحْمِيدَاتِ وَالتَّكْبِيرَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِقْبَالَ لَيْسَ بَعْدَهَا بَلْ عِنْدَهَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بِمَعْنَى الْفَاءِ.

كَمَا نُقِلَ عَنْ الْكُوفِيِّينَ أَوْ مُقْحَمٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْأَخْفَشِ أَوْ لَيْسَ لَهُ هُنَا مُهْلَةٌ كَمَا فِي نَحْوِ {وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ - ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ} [السجدة: 7 - 8]- فَتَأَمَّلَ «بِوَجْهِهِ» حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ «فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً» عَظِيمَةً «بَلِيغَةً» أَيْ مُجْتَهِدًا غَيْرَ قَاصِرٍ فِيهَا أَوْ بِكَلَامٍ بَلِيغٍ فَصِيحٍ أَوْ مَوْعِظَةٍ تَامَّةٍ كَامِلَةٍ أَوْ بِكَلَامٍ مُطَابِقٍ لِمُقْتَضَى الْحَالِ مَعَ فَصَاحَتِهِ «ذَرَفَتْ فِيهَا الْعُيُونُ» سَالَ دَمْعُهَا مِنْ الْبُكَاءِ وَقِيلَ لَفْظُ فِي هُنَا لِلسَّبَبِيَّةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015