فَإِنْ قِيلَ الْمَرْجِعُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ لَيْسَ إلَى السُّنَّةِ فَقَطْ بَلْ مَجْمُوعُ الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ السُّنَّةِ أَقُولُ لَعَلَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ شُمُولِ السُّنَّةِ بِهَا وَلَوْ مَجَازًا أَيْ بِطَرِيقَتَيْ وَلَوْ قِيَاسًا.

«الرَّاشِدِينَ» الرُّشْدُ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ مَعَ تَصَلُّبٍ فِيهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ «الْمَهْدِيِّينَ» صِيغَةُ مَفْعُولٍ قِيلَ أَيْ هَدَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَاهْتَدَوْا لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ إشَارَةٌ إلَى عِلَّةِ أَمْرِ السَّابِقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُلَفَاءِ وَتَمْهِيدٌ لِبَعْضِ الْأَمْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ «تَمَسَّكُوا بِهَا» أَيْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ السُّنَّتَيْنِ كَأَنَّهُ تَكْرِيرٌ لِزِيَادَةِ تَثْبِيتٍ وَتَأْكِيدٍ لِصُعُوبَةِ الْأَخْذِ بِالسُّنَّةِ خُصُوصًا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ الْكَثِيرِ وَفِي إفْرَادِ الضَّمِيرِ إشَارَةٌ إلَى رُجُوعِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ إلَى سُنَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَخْذِهَا مِنْهَا لَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ فَإِنْ قِيلَ اتِّخَاذُ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ إمَّا لِكَوْنِهِمْ خُلَفَاءَ أَوْ لِكَوْنِهِمْ رَاشِدِينَ أَوْ لِمَجْمُوعِهِمَا فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ عَدَمُ الِاتِّخَاذِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَ خِلَافَتِهِمْ وَأَيْضًا يَجْرِي فِي سَائِرِ الْخُلَفَاءِ وَعَلَى الثَّانِي يَقْتَضِي اتِّخَاذَ سُنَّةِ كُلِّ مَنْ كَانَ رَاشِدًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً.

وَعَلَى الثَّالِثِ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا الِاخْتِصَاصِ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ بَلْ كَلَامُهُمْ فِي مُطْلَقِ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَصَحَابِيٍّ نَعَمْ قَدْ يُشْتَرَطُ فِي الْإِجْمَاعِ إجْمَاعُهُمْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الصَّحِيحِ وَلَوْ خُصَّ بِأُمُورِ الْخِلَافَةِ كَالسِّيَاسَةِ الدِّينِيَّةِ أَوْ تَدْبِيرِ نِظَامِ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ لَا يُلَائِمُ السِّيَاقَ وَالسِّيَاقَ قُلْت يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُهُمَا مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ أَوْ سُنَّةٍ لِرَسُولٍ إشَارَةٌ إلَى الدِّينِيِّ وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ إلَى الْعَادِيِّ وَالْوَصْفَانِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَبَعِيَّتَهُمْ مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِهِمْ عَلَى الرُّشْدِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَبَعْدُ فِيهِ تَأَمُّلٌ.

«وَعَضُّوا عَلَيْهَا» أَيْ مُطْلَقِ السُّنَّةِ الْمُنْقَسِمَةِ إلَى تَيْنِك السَّنَتَيْنِ ( «بِالنَّوَاجِذِ» هِيَ أَقْصَى الْأَضْرَاسِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَوْ هِيَ الْأَنْيَابُ أَوْ الَّتِي تَلِي الْأَنْيَابَ أَوْ هِيَ الْأَضْرَاسُ كُلُّهَا جَمْعُ نَاجِذَةٍ وَالنَّجْذُ شِدَّةُ الْعَضِّ بِهَا كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَهُوَ مَثَلٌ فِي شِدَّةِ الِاسْتِمْسَاكِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى غَايَةِ إتْعَابِ الْمُسْتَمْسِكِ بِالسُّنَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَالْمُجَاهِدِينَ مَعَ الْمُخَالِفِينَ وَتَصْعُبُ كَلِمَةُ الْحَقِّ وَيَتْعَبُ فِي الْحَلَالِ قِيلَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ كَمَا هُوَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا فِي الْأُصُولِ أَقُولُ قَدْ عَرَفْت أَنَّ الدَّلَالَةَ إنَّمَا هِيَ لِلْخُلَفَاءِ لَا الصَّحَابِيِّ وَأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافِيٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ وُجُوبَ التَّقْلِيدِ وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ وَأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ مَعْلُومِيَّةِ خِلَافِهِمْ وَوِفَاقِهِمْ.

وَأَمَّا عِنْدَ مَعْلُومِيَّةِ خِلَافِهِمْ فَلَا يَجِبُ إجْمَاعًا وَأَمَّا عِنْدَ مَعْلُومِيَّةِ عَدَمِ خِلَافِهِمْ فَيَجِبُ إجْمَاعًا نَعَمْ قَالُوا كُلُّ مَا ثَبَتَ فِيهِ اتِّفَاقُ الشَّيْخَيْنِ يَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ» أَيْ اتَّقُوا وَاحْذَرُوا الْأَخْذَ بِغَيْرِ هَاتَيْنِ السُّنَّتَيْنِ مِنْ الْأُمُورِ الْحَادِثَةِ الَّتِي لَا إشَارَةَ لَهَا بِالْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ وَسَيُفَصِّلُ. «فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» هَذَا شَكْلٌ أَوَّلٌ مَذْكُورُ الْمُقَدَّمَتَيْنِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مُبَاحًا وَوَاجِبًا وَمُسْتَحَبًّا وَالتَّخْصِيصُ بِالدِّينِ لَيْسَ بِمُفِيدٍ إذْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ إنَّمَا هِيَ فِي أَمْرِ الدِّينِ لِأَنَّهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ وَفَائِدَتُهُ إنَّمَا تَظْهَرُ لَا الْعَادِيَّاتُ أَقُولُ سَيُوَضِّحُهُ الْمُصَنِّفُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ بِإِذْنٍ مِنْ الشَّارِعِ فَلَا بِدْعَةَ مُطْلَقًا.

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ «وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» قِيلَ عَنْ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ عَامٌّ خَصَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015