«إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْظُرُ إلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إلَى صُوَرِكُمْ» كَالْحُسْنِ وَالْعِظَمِ وَالْقُوَّةِ «وَلَا إلَى أَعْمَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ» إلَى طَهَارَتِهَا عَمَّا سِوَاهُ أَوْ هَلْ بِالْخُلُوصِ أَوْ لَا قِيلَ الْقُلُوبُ مَحَلُّ التَّقْوَى وَأَوْعِيَةُ الْجَوَاهِرِ وَكُنُوزُ الْمَعَارِفِ وَقَالَ الْمُحَشِّي يَعْنِي أَنَّ مَنْظَرَ اللَّهِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ هُوَ الْقَلْبُ ثُمَّ الْأَعْمَالُ فَإِنْ سَالِمًا عَنْ الْعَزَائِمِ الْفَاسِدَةِ وَمُحَلًّى بِالنِّيَّاتِ الْمَحْمُودَةِ يَنْظُرُ إلَى الْأَعْمَالِ فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَجْمِعَةً لِلشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ يَقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَلْبُ سَالِمًا لَا يَقْبَلُ الْأَعْمَالَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مَنْظَرَ اللَّهِ أَصْلًا كَمَا زَعَمَتْ الْمَلَاحِدَةُ وَلَا كَمَا زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّ الْمَنْظَرَ هُوَ الْقَلْبُ فَبَعْدَمَا كَانَ سَالِمًا عَنْ الْأَغْرَاضِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ قُبِلَتْ الْأَعْمَالُ مُسْتَجْمِعَةً لِلشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ خَارِقَانِ لِلْإِجْمَاعِ مُخَالِفَانِ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً» الْحَدِيثَ (وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ «وَلَا تَنَاجَشُوا» التَّنَاجُشُ أَنْ يَزِيدَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ عَلَى هَذَا فِي الْبَيْعِ وَالنَّجْشُ رَفْعُ الثَّمَنِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الرِّضَا وَأَمَّا قَبْلَهُ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَقِيلَ النَّهْيُ عَنْ إغْرَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَى الشَّرِّ وَالْخُصُومَةِ وَقِيلَ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ شِرَاءٍ لِيَغْتَرَّ الرَّاغِبُ فَيَشْتَرِيَ بِمَا ذَكَرَهُ وَأَصْلُهُ الْإِغْرَاءُ وَالتَّحْرِيضُ وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ إغْرَاءُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا عَلَى الشَّرِّ وَالْخُصُومَةِ وَقِيلَ عَنْ الْقَاضِي ذَمُّ بَعْضِهِمْ بَعْضًا (وَزَادَ خ «وَلَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ» بِكَسْرِ الْخَاءِ طَلَبُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ لِلتَّزَوُّجِ «أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» هَذَا النَّهْيُ بَعْدَ الرِّضَا وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا، وَحُرْمَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ الظَّنِّ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُجَاهِرِينَ أَوْ عَدَمِ دَلَالَةِ الْقَرَائِنِ الْمُفِيدَةِ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ (وَأَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ وَالْفِسْقِ الْمُجَاهِرِينَ) صِفَةٌ لِلْمَعْصِيَةِ وَالْفِسْقِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُجَاهِرُونَ صِفَةٌ لِلْأَهْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ (أَوْ) لَمْ يُجَاهِرْ لَكِنْ (دَلَّ عَلَيْهِ) عَلَى الْفِسْقِ (قَرَائِنُ تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ) بِحُصُولِ ذَلِكَ مِنْهُمْ (فَعَلَيْنَا أَنْ نُبْغِضَهُمْ فِي اللَّهِ تَعَالَى) لَا لِغَرَضٍ نَفْسَانِيٍّ، وَلِذَا يَنْقَطِعُ الْبُغْضُ بِخُرُوجِهِمْ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ) بُغْضُهُمْ (مِنْ سُوءِ الظَّنِّ فِي شَيْءٍ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا) أَيْ كَوْنِ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ كَافِيَةً عَلَى سُوءِ الظَّنِّ (قَوْله تَعَالَى) إنْكَارًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {فَمَا لَكُمْ} [النساء: 88] أَيْ مَا أَمْرُكُمْ وَشَأْنُكُمْ تَفَرَّقْتُمْ {فِي} [البقرة: 10] أَمْرِ {الْمُنَافِقِينَ} [النساء: 88] وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى كُفْرِهِمْ {فِئَتَيْنِ} [النساء: 88] الْآيَةَ)