فِرْقَتَيْنِ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ (وَعَلَى الْأَوَّلِ) عَلَى مُجَرَّدِ الشَّكِّ وَالْوَهْمِ.
(إنَّمَا يَحْرُمُ) الظَّنُّ (إذَا ظَهَرَ أَثَرُهُ) أَثَرُ الظَّنِّ (عَلَى الْجَوَارِحِ) بِاغْتِيَابٍ وَنَحْوِهِ (قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) قِيلَ ثَوْرٌ بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ (الظَّنُّ ظَنَّانِ أَحَدُهُمَا إثْمٌ وَهُوَ أَنْ تَظُنَّ وَتَتَكَلَّمَ بِهِ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِإِثْمٍ وَهُوَ أَنْ تَظُنَّ) بِقَلْبِك فَقَطْ (وَلَا تَتَكَلَّمَ بِهِ، وَهَذَا) عَدَمُ الْحُرْمَةِ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ عَلَى الْجَوَارِحِ (هُوَ الْمُخْتَارُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ (وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَسَدِ وَضِدُّ سُوءِ الظَّنِّ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ أَمَّا الْأَوَّلُ) حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ (فَوَاجِبٌ) ، وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ غَالِبًا فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِالنَّظَرِ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ الْوَاسِعَةِ كُلُّ شَيْءٍ وَفَضْلُهُ الْعَظِيمُ وَالْخَوْفُ بِالنَّظَرِ إلَى الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الْعَبْدُ أَشَدَّ الِاسْتِحْقَاقِ الْعَذَابَ بِالنَّارِ وَاللَّائِقُ ذِكْرُ ذَلِكَ غَالِبًا فِيهَا لِلزَّجْرِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْإِنَابَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي (م عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ» تَعَالَى بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ أَجَلُهُ وَأَتَتْ رِحْلَتُهُ لَمْ يَبْقَ لِخَوْفِهِ مَعْنًى بَلْ يُؤَدِّي إلَى الْقُنُوطِ
قَالَ الطِّيبِيُّ نُهِيَ أَنْ يَمُوتَ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ حُسْنِ الظَّنِّ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَقْدُورٍ بَلْ الْمُرَادُ الْأَمْرُ بِحُسْنِ الظَّنِّ لِيُوَافِقَ الْمَوْتَ وَهُوَ عَلَيْهِ نَحْوُ وقَوْله تَعَالَى - {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] ، وَهَذَا قَالَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ وَالنَّهْيُ وَإِنْ وَقَعَ عَنْ الْمَوْتِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ بَلْ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بَلْ عَنْ تَرْكِ الْخُشُوعِ وَأَفَادَ الْحَثُّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ الْمُفْضِي إلَى حُسْنِ الظَّنِّ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى تَأْمِيلِ الْعَفْوِ وَتَحْقِيقِ الرَّجَاءِ فِي رُوحِ اللَّهِ وَمَغْفِرَتِهِ قَالَ تَعَالَى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] (خ م ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» كَظَنِّ الْغُفْرَانِ إذَا اسْتَغْفَرَ وَالْقَبُولِ إذَا تَابَ وَالْإِجَابَةِ إذَا دَعَا وَالْكِفَايَةِ إذَا طَلَبَ الْكِفَايَةَ كَذَا نُقِلَ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَظَنِّ قَبُولِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَكَذَا ظَنُّ الْعُقُوبَةِ عَلَى عِصْيَانِهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إنَّك مَا دَعَوْتَنِي» أَيْ مُدَّةَ دُعَائِك لِي «وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَك ذُنُوبَك عَلَى مَا كَانَ مِنْك» مِنْ عَظَائِمَ وَجَرَائِمَ أَوْ مَا دُمْت تَدْعُونِي وَتَرْجُو مَغْفِرَتِي وَلَا تَقْنَطُ مِنْ رَحْمَتِي فَأَغْفِرُ لَك وَلَا تَعْظُمُ عَلَيَّ مَغْفِرَتُك وَإِنْ كَانَتْ ذُنُوبُك كَثِيرَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُخُّ الْعِبَادَةِ وَالرَّجَاءَ مُتَضَمِّنٌ لِحُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَهُوَ قَالَ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَعِنْدَ ذَلِكَ تَتَوَجَّهُ