الطَّبَرَانِيُّ (عَنْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَمِنْ مَنَاقِبِهَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - سُئِلَتْ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَتْ فَاطِمَةُ قِيلَ وَمِنْ الرِّجَالِ قَالَتْ زَوْجُهَا وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ لَمْ يَنْزِلْ الْأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ وَيُبَشِّرَنِي بِأَنَّ فَاطِمَةَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا بُنَيَّةُ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنَّك سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ قَالَتْ يَا أَبَتِ فَأَيْنَ مَرْيَمُ قَالَ تِلْكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا وَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِك أَمَا وَاَللَّهِ زَوَّجْتُك سَيِّدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» فَإِنْ قِيلَ قُرْبُهَا لِلنَّبِيِّ يَقْتَضِي كَثْرَةَ رِوَايَتِهَا كَعَائِشَةَ وَالْحَالُ أَنَّ أَحَادِيثَهَا فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ قُلْنَا لِعَدَمِ كَثْرَةِ عُمُرِهَا بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ مَاتَتْ بَعْدَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بِنْتُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقِيلَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَنِصْفٍ فِي رَمَضَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَصَلَّى عَلَى أَبِيهَا وَسَلَّمَ ( «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْحَيِيَّ» صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ الْحَيَاءِ أَيْ الْعَبْدُ صَاحِبُ الْحَيَاءِ الدَّاعِي لِلْجَمِيلِ الْوَادِعِ لِلرَّذَالَةِ ( «الْحَلِيمَ الْمُتَعَفِّفَ» الْمُتَحَرِّزَ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ زُهْدًا وَقَنَاعَةً بِلَا ضَرُورَةٍ ( «وَيُبْغِضُ الْبَذِيءَ» مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالسُّوءِ وَقَدْ يُفَسَّرُ بِالسَّفِيهِ «الْفَاحِشَ» الْمُتَكَلِّمَ بِالْفَوَاحِشِ وَالْقَبَائِحِ وَالْعُيُوبِ ( «السَّائِلَ الْمُلْحِفَ» الْمُلِحَّ الْمُجِدَّ فِي طَلَبِ الشَّيْءِ فَدَلَّ الْحَدِيثُ أَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الْحِلْمَ كَالْحَيَاءِ وَالْعِفَّةِ (وَ) الْمَطْلُوبُ (الثَّانِي كَوْنُهُ) أَيْ الْحِلْمِ (زِينَةً وَمَطْلُوبًا لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) (دِينًا عَنْ) سُفْيَانَ (بْنِ عُيَيْنَةَ) عَلَى صِيغَةِ التَّصْغِيرِ (أَنَّهُ قَالَ «كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ أَغْنِنِي بِالْعِلْمِ» الْمُرَادُ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَهُوَ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَالْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ التَّعَبُّدِ لَهُ وَالتَّأَدُّبِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَذَا هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي بُسِطَ فِي الصَّدْرِ شُعَاعُهُ فَيَتَّسِعُ وَيَنْشَرِحُ لِلْإِسْلَامِ وَقِيلَ الْعِلْمُ النَّافِعُ هُوَ الَّذِي يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَيَلْزَمُهُ الْمَخَافَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْوُقُوفُ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ كُلُّ عِلْمٍ لَا يُورِثُ صَاحِبَهُ الْخَشْيَةَ وَالتَّوَاضُعَ وَالنَّصِيحَةَ لِلْخَلْقِ وَالشَّفَقَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَحْمِلُهُ عَلَى حُسْنِ مُعَامَلَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَوَامِ مُوَافَقَتِهِ وَطَلَبِ الْحَلَالِ وَحِفْظِ الْجَوَارِحِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَمُخَالَفَةِ النَّفْسِ وَصِيَانَةِ الشَّهَوَاتِ فَذَلِكَ الْعِلْمُ الَّذِي لَا يَنْفَعُ وَهُوَ الَّذِي اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْهُ بِقَوْلِهِ «أَعُوذُ بِك مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ» وَعَنْ الْجُنَيْدِ الْعِلْمُ النَّافِعُ مَا يَدُلُّ صَاحِبَهُ عَلَى التَّوَاضُعِ وَدَوَامِ الْمُجَاهَدَةِ وَرِعَايَةِ السُّرُورِ وَمُرَاقَبَةِ الظَّاهِرِ وَالْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الدُّنْيَا وَعَنْ طَالِبِهَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَمُجَانَبَةِ أَبْوَابِ أَرْبَابِهَا وَتَرْكِ مَا فِيهَا عَلَى مَنْ فِيهَا وَالنَّصِيحَةِ لِلْخَلْقِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ مَعَهُمْ وَمُجَالَسَةِ الْفُقَرَاءِ وَتَعْظِيمِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى مَا يَعْنِيهِ وَقَالَ الْفُضَيْلُ الْعَالِمُ طَبِيبُ الدِّينِ وَدَوَاءُ الدُّنْيَا فَإِذَا كَانَ الطَّبِيبُ يَجُرُّ الدَّاءَ إلَى نَفْسِهِ فَمَتَى يُبْرِئُ غَيْرَهُ قَالَ الشَّاعِرُ
وَغَيْرُ تَقِيٍّ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالتُّقَى ... طَبِيبٌ يُدَاوِي النَّاسَ وَهُوَ مَرِيضٌ
فَإِذَا كَانَ الْعَالِمُ بِهَذَا الْمَحَلِّ مِنْ الدِّينِ كَانَ إمَامًا يُقْتَدَى بِهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَيَهْتَدِي بِنُورِهِ كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ وَيَسْتَضِيءُ بِعِلْمِهِ كُلُّ مَنْ تَبِعَهُ وَيَكُونُ حُجَّةً لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَبَرَكَةً فِي بِلَادِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْحَكَمِ «وَزَيِّنِّي بِالْحِلْمِ» أَيْ الصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى وَالتَّجَاوُزِ بَلْ الْإِحْسَانُ وَالْإِكْرَاهُ وَتَحَمُّلُ الْأَذَى وَتَرْكُ الِانْتِقَامِ، وَلِذَا «عِنْدَ كَسْرِ رُبَاعِيَّتِهِ وَشَجِّ وَجْهِهِ يَوْمَ أُحُدٍ قَالُوا لَوْ دَعَوْت اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَلَكِنْ بُعِثْت دَاعِيًا وَرَحْمَةً اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» وَفِي رِوَايَةٍ «اغْفِرْ لِقَوْمِي» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ اُنْظُرْ مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ غَايَةِ الْحِلْمِ إذْ لَمْ يَقْتَصِرْ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السُّكُوتِ عَنْهُمْ حَتَّى عَفَا عَنْهُمْ ثُمَّ أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ وَرَحِمَهُمْ وَدَعَا وَشَفَعَ لَهُمْ، فَقَالَ اغْفِرْ أَوْ اهْدِ ثُمَّ أَظْهَرَ سَبَبَ الرَّحْمَةِ بِقَوْلِهِ لِقَوْمِي ثُمَّ اعْتَذَرَ عَنْهُمْ بِجَهْلِهِمْ، فَقَالَ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَالتَّفْصِيلُ فِي الشِّفَاءِ لِعِيَاضٍ كَمَا مَرَّ. «وَأَكْرِمْنِي بِالتَّقْوَى» فَإِنَّهُ لَا أَكْرَمَ مِنْهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] «وَجَمِّلْنِي بِالْعَافِيَةِ» قَبْلَ الْعَافِيَةِ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ ثُمَّ إنَّ الْعَافِيَةَ هَلْ هِيَ سَلَامَةُ الدِّينِ