(كُلِّهِ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ أَوْ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُنَّتِهِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ (وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ هَذَا) الْغَضَبُ (بَعْدَ الْغَضَبِ عَلَى شَيْءٍ وَ) بَعْدَ (قَوْلِ غَيْرِهِ لَهُ هَذَا أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَهْيُهُ أَوْ سُنَّةُ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَيَغْضَبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَبِيبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَكْفُرُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ وَيَكُونُ قَوْلُ الْغَيْرِ وَقُودًا لِغَضَبِهِ حَتَّى يُوقِعَهُ فِي أَشَدِّ الْمَهَالِكِ.

(فَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَضَبُ يُفْسِدُ الْإِيمَانَ) الظَّاهِرُ مِنْ الْغَضَبِ الِاسْتِغْرَاقُ فَيَقْتَضِي أَنْ يُفْسِدَ كُلُّ غَضَبٍ الْإِيمَانَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ فَلِذَا إشَارَةٌ إلَى الْغَضَبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْفَاءِ وَلَوْ أُرِيدَ الْعَهْدُ لَزِمَ إثْبَاتُ الْقَرِينَةِ وَهِيَ صَعْبَةٌ وَلَوْ أُوِّلَ فَسَادُ الْإِيمَانِ لَاضْمَحَلَّ الِاسْتِدْلَال إلَّا أَنْ يُرَادَ عُمُومُ الْمَجَازِ (فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا) وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا (وَأَمَّا الْغَضَبُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ فَمَحْمُودٌ، لِأَنَّهُ غَضَبٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَحَمِيَّةٌ لِلدِّينِ) صِيَانَةً (وَلَكِنْ بِشَرْطِ الِاعْتِدَالِ وَعَدَمِ تَجَاوُزِ الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ فِي الْقَوْلِ كَيَا كَافِرُ وَيَا مُنَافِقُ وَيَا زَانِي وَيَا لُوطِيُّ وَيَا سَارِقُ فَإِنَّ كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (حَرَامٌ فَيَكُونُ تَهَوُّرًا) خُرُوجًا عَنْ حَدِّ الشَّرْعِ، وَلِذَا يَجِبُ التَّعْزِيرُ وَلَوْ أَتَى مُتَأَوِّلًا، لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ التَّعْزِيرُ لَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ (بَلْ يُكْتَفَى بِنَحْوِ يَا جَاهِلُ) ، لِأَنَّهُ إمَّا جَاهِلٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ عَالِمٌ لَمْ يَتَمَشَّ عَلَى نَهْجِ عِلْمِهِ وَالْعَالِمُ الْغَيْرُ الْعَامِلِ مُلْحَقٌ بِالْجَاهِلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] (وَيَا أَحْمَقُ) أَيْ نَاقِصَ الْعَقْلِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَحْمَقَ لَمْ يَقْرَبْ الْمُنْكَرَ (إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ) كَالْمُعَانَدَةِ وَالْإِصْرَارِ فِي الْإِظْهَارِ.

فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الِابْتِدَاءِ بَلْ يَرْفُقُ وَيَلِينُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا} [طه: 44] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ» كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي نِصَابِ الِاحْتِسَابِ وَيَنْبَغِي اللِّينُ وَالشَّفَقَةُ وَلَا يَكُونُ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ - {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا} [طه: 44]- وَوَعَظَ الْمَأْمُونُ الْخَلِيفَةَ وَاعِظٌ بِعُنْفٍ، فَقَالَ يَا رَجُلُ اُرْفُقْ فَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْك إلَى شَرٍّ مِنِّي فَأَمَرَ بِالرِّفْقِ، فَقَالَ {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا} [طه: 44] فَيَعِظُ بِرِفْقِ وَلِينٍ لَا بِعُنْفٍ وَتَرَفُّعٍ فَإِنَّهُ يُؤَيِّدُ دَاعِيَةَ الْمَعْصِيَةِ وَيَحْمِلُ الْعَاصِي عَلَى الْمُقَابَلَةِ وَالْإِيذَاءِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ إلَّا رَفِيقٌ فِيمَا يَأْمُرُهُ رَفِيقٌ فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ حَلِيمٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ حَلِيمٌ فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ (وَفِي الْفِعْلِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَوْلِ (كَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ) لَعَلَّ التَّجَاوُزَ فِي الشِّدَّةِ لَا فِي أَصْلِ الضَّرْبِ كَمَا فِي حَدِيثِ «إذَا رَأَيْتُمْ مُنْكَرًا فَلْتُغَيِّرُوا بِيَدِكُمْ» الْحَدِيثَ.

قَالَ فِي النِّصَاب قَدْ يَكُونُ التَّعْزِيرُ بِالصَّفْحِ وَبِتَعْرِيكِ الْأُذُنِ وَبِالْكَلَامِ الْعَنِيفِ وَبِالضَّرْبِ وَبِأَخْذِ الْمَالِ وَفِي الْفَتَاوَى يُقِيمُ التَّعْزِيرَ كُلُّ أَحَدٍ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ وَمَنْ حُدَّ أَوْ عُزِّرَ فَمَاتَ هُدِرَ دَمُهُ وَيَكُونُ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً وَبِهَدْمِ بَيْتِهِ وَبِالنَّفْيِ عَنْ الْبَلَدِ عَلَى حَسَبِ جِنَايَتِهِ وَرَأْيِ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي (وَالْجَارِحِ وَالْمُتْلِفِ بَلْ يُكْتَفَى) فِي الْغَضَبِ بِالْفِعْلِ (بِنَحْوِ الْجَذْبِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْصِيَةِ) الَّتِي غَضِبَ لِأَجْلِهَا (إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ بِدُونِ الضَّرْبِ) الشَّدِيدِ فَيَأْتِي بِهِ لِلضَّرُورَةِ (فَيَقْتَصِرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015