بَيْنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ فَالصُّوفِيُّ إذَا كَانَ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ مَثَلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطُ فِي أَمْرِ وُضُوئِهِ وَصَلَاتِهِ وَسَائِرِ عِبَادَاتِهِ حَتَّى يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَإِنَّ مَذْهَبَ الصُّوفِيَّةِ الْجَمْعُ بَيْنَ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ الْجَمْعُ يَأْخُذُوا بِالْأَحْوَطِ وَالْأَوْلَى، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْك إنْ لَمْ تَتَوَضَّأْ فِي الْقُلَّتَيْنِ وَأَبَا حَنِيفَةَ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْك إذَا تَوَضَّأْت لِمَسِّ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يُحِبَّ أَصْحَابَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَيَدْعُوَا بِالْخَيْرِ لِجَمِيعِهِمْ وَلَا يَتَعَصَّبَ أَصْلًا. وَأَمَّا الرُّخَصُ فَيَجِبُ تَرْكُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ اتِّفَاقًا انْتَهَى هَذَا فِي التَّقْوَى فَإِنَّ الْعَمَلَ بِالرُّخَصِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَتْوَى جَائِزٌ، أَمَّا فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ وَمَحَبَّتُهُ الرُّخَصَ فَمَحْمُولٌ عَلَى تَعْلِيمِ الشَّرِيعَةِ أَوْ قَبْلَ إعْلَامِ لُزُومِ الْعَزِيمَةِ. قِيلَ قَالَ الْفُقَهَاءُ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ مَا لَمْ يَشْتَدَّ ضَعْفُ مُدْرِكِهِ أَوْ يُصَادِمُ سُنَّةً صَحِيحَةً أَوْ يُوقِعُ الْخُرُوجَ مِنْهُ فِي خِلَافٍ آخَرَ كَذَا نُقِلَ عَنْ الْمَوَاهِبِ. وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» وَفِيهِ أَيْضًا «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ» وَفِيهِ أَيْضًا «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُقْبَلَ رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ الْعَبْدُ مَغْفِرَةَ رَبِّهِ» .

(وَمِنْهُ) مِنْ أَشَدِّ بَوَاعِثِهِ (التَّكَلُّمُ وَعَرْضُ الْحَاجَةِ لِمَشْغُولٍ بِمُهِمٍّ أَوْ مَهْمُومٍ) لِأَمْرٍ مُسْتَقِلٍّ (أَوْ مَغْمُومٍ) لِمَا فَاتَهُ فِي الْمَاضِي (أَوْ مَحْزُونٍ) لِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْبَلَايَا وَالْمَصَائِبِ فِي الْحَالِ (وَمِنْهُ مَا صَدَرَ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ حَيَوَانٍ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ كَبُكَاءٍ كَثِيرٍ) لِلصَّبِيِّ (وَشَتْمٍ) مِنْ الْمَجْنُونِ (وَعِثَارٍ) مِنْ الْحَيَوَانِ (فَيَغْضَبُ) مِنْهُ (وَرُبَّمَا يَشْتُمُ وَيَلْعَنُ وَيَضْرِبُ) يَجُوزُ ضَرْبُ الْحَيَوَانِ إلَّا وَجْهَهُ (وَهَذَا) النَّوْعُ (مِنْ أَقْبَحِ أَنْوَاعِ الْغَضَبِ وَمَنْشَؤُهُ خُبْثُ الطَّبْعِ) وَرَدَاءَةُ النَّفْسِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَمَّلُ أَذَاهُمْ وَيَتَمَشَّى عَلَى هَوَاهُمْ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَوَجَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِبُكَائِهِ» فَإِنَّهُ أَوْجَزَ صَلَاتَهُ وَلَمْ يَغْضَبْ وَإِنْ اشْتَغَلَ قَلْبُهُ بِهِ (وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا) الْغَضَبِ (مَنْ يَغْضَبُ عَلَى جَمَادٍ) كَحَجَرٍ وَشَجَرٍ (بِسُقُوطِهِ) عَلَيْهِ (أَوْ عَدَمِ قَرَارِهِ) فِي مَكَانِهِ عِنْدَ الْوَضْعِ فَمَا رُوِيَ مِنْ غَضَبِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى حَجَرٍ وَضَعَ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ فَفَرَّ الْحَجَرُ مَعَ الثَّوْبِ عِنْدَ إرَادَةِ أَخْذِهِ الثَّوْبَ.

فَقِيلَ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِ الْعُقَلَاءِ (أَوْ عَدَمِ انْقِطَاعِهِ أَوْ) عَدَمِ (انْكِسَارِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَيَغْضَبُ) لِتَخَلُّفِهِ عَنْ مُرَادِهِ (وَيَشْتُمُ بَلْ رُبَّمَا يَضْرِبُهُ وَيُتْلِفُهُ) كَالْكَسْرِ وَالْإِحْرَاقِ وَالْبَيْعِ فَيَدْخُلُ فِي الْمُبَذِّرِينَ (مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ لَهُ وَلَا شُعُورَ وَلَا تَأَذِّي) مِنْ ضَرْبِهِ وَشَتْمِهِ (وَ) غَضِبَ (مَنْ يَغْضَبُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَالْعِثَارِ) فِي الْمَشْيِ (وَعَدَمِ إحْسَانِ شَيْءٍ) مِنْ أَعْمَالِهِ مِمَّا أَرَادَهُ (فَيَسُبُّ نَفْسَهُ وَيَلْعَنُهُ وَيَضْرِبُهُ) وَرُبَّمَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ أَوْ يُلْقِيهَا مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ (بِخِلَافِ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى نَفْسِهِ بِعِصْيَانِهِ لِلَّهِ تَعَالَى) بِتَرْكِ أَوَامِرِهِ وَارْتِكَابِ مَنَاهِيهِ (أَوْ كَسَلِهِ) عَنْ بَعْضِ الطَّاعَاتِ (أَوْ تَرْكِهِ بَعْضَ النَّوَافِلِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهِ أُمُورًا شَاقَّةً) حَتَّى يَنْقَادَ لِمَا دُونَهَا وَالْأَوْلَى فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا وَلَعَلَّهُ مِنْ النَّاسِخِ (وَرُبَّمَا يَحْلِفُ أَوْ يَنْذُرُ) بِالْأُمُورِ الشَّاقَّةِ كَالنَّذْرِ بِالصَّوْمِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ التَّصَدُّقِ (وَهَذَا حَسَنٌ وَغَيْرَةٌ) حَمِيَّةٌ (دِينِيَّةٌ) يُثَابُ بِهَا (وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا) الْمَذْكُورِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015