(وَأَمَّا بِنِيَّةِ الْوَفَاءِ فَجَائِزٌ) بَلْ مَطْلُوبٌ إذَا كَانَ فِيهِ إدْخَالُ سُرُورٍ عَلَى الْمُؤْمِنِ (ثُمَّ إنَّهُ) أَيْ الْوَفَاءَ عَلَى تَقْدِيرِ نِيَّتِهِ (لَا يَجِبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى) وَعِنْدَ غَيْرِ الْأَكْثَرِ وَاجِبٌ كَمَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا مَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ لِعَدَمِ تَعَمُّدِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ آنِفًا كَذِبٌ عَمْدٌ فَمَا لَا عَمْدَ فِيهِ لَا وُجُوبَ فِيهِ (بَلْ يُسْتَحَبُّ فَيَكُونُ خُلْفُهُ) بِعَدَمِ الْوَفَاءِ (مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا) وَنُقِلَ عَنْ الْعَيْنِيِّ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا وَيُكْرَهُ إخْلَافُهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْقِبَ الْوَعْدَ بِالْمَشِيئَةِ لِيَخْرُجَ عَنْ صُورَةِ الْكَذِبِ وَيُسْتَحَبُّ إخْلَافُ الْوَعِيدِ إذَا كَانَ الْمُتَوَعَّدُ بِهِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ مَفْسَدَةٌ انْتَهَى وَفِي الْفَتَاوَى الزَّيْنِيَّةِ لِابْنِ نَجِيمٍ عِنْدَ عَدِّ الصَّغَائِرِ وَخُلْفِ الْوَعْدِ قَاصِدًا لَهُ (بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَعَدَ الرَّجُلُ» أَخَاهُ بِمَا يُسَوَّغُ شَرْعًا «وَنَوَى أَنْ يَفِيَ» لَهُ قِيلَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ الصَّالِحَةَ يُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا (فَلَمْ يَفِ بِهِ) قِيلَ لِعُذْرِ مَنْعِهِ (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ) لَا يَخْفَى عَلَى هَذَا لَا تَقْرِيبَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِتْيَانِ إنْ لِعُذْرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْإِتْيَانُ مُسْتَحَبًّا وَلَا الْخُلْفُ مَكْرُوهًا بَلْ قَوْلُهُ فَلَا جُنَاحَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْفِي الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا نَعَمْ قَدْ يَجْتَمِعُ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا تَسْمَعُ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ لَا جُنَاحَ فِي مَعْنَى لَا بَأْسَ، وَمِنْ مَعَانِي لَا بَأْسَ مَا هُوَ تَرْكُهُ أَوْلَى لَكِنَّ هَذَا التَّرْكَ غَيْرُ كَرَاهَةٍ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ شُمُولَ الْكَرَاهَةِ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ خَمْسَةٌ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ لَانْعَدَمَ الْحَصْرُ.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَمَّا لَوْ تَخَلَّفَ عَنْ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ مُلَامٌ بَلْ الْتَزَمَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ تَأْثِيمَهُ لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ مَأْمُورٌ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ لَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ وَيُؤَوَّلُ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ حَيْثُ كَانَ الْوَعْدُ لَازِمًا لَهُ بِذَاتِهِ لَا لِلْوَعْدِ وَمَنَعَهُ عُذْرٌ.

قَالَ فِي شَرْحِ الرِّعَايَةِ وَالْوَعْدُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ كُلُّ مَا يَدْخُلُ الشَّخْصُ فِيهِ بِسَبَبِ مُوَاعَدَتِك فِي مَضَرَّةٍ أَوْ كُلْفَةٍ وَمِنْهُ مَا لَوْ تَكَلَّفَ طَعَامًا وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ مَوْعِدَك انْتَهَى فَتَأَمَّلْ. (رَوَاهُ ت د عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْحَدِيثُ بِهَذَيْنِ الْمَخْرَجَيْنِ عَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَعَ فِي الْجَامِعِ هَكَذَا «إذَا وَعَدَ الرَّجُلُ أَخَاهُ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ وَلَمْ يَجِئْ لِلْمِيعَادِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ» ثُمَّ قَالَ فِي الْفَيْضِ الْحَدِيث غَرِيبٌ وَسَنَدُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ قَالَ الذَّهَبِيُّ وَفِيهِ أَبُو نُعْمَانَ مَجْهُولٌ كَشَيْخِهِ أَبِي الْوَقَّاصِ.

وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ اشْتَمَلَ سَنَدُهُ عَلَى مَجْهُولَيْنِ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَلَالَةَ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ كَمَا فَهِمْت مِنْ السَّابِق (وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَنْ تَبِعَهُ الْوَفَاءُ وَاجِبٌ) فَتَارِكُهُ آثِمٌ (وَالْخُلْفُ) بِلَا عُذْرٍ (حَرَامٌ مُطْلَقًا) عَزَمَ عَلَى الْوَفَاءِ أَوْ لَا (فَفِيهِ شُبْهَةُ الْخِلَافِ وَآيَةُ النِّفَاقِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْخِلَافَ مِنْ غَيْرِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ هُنَا لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي الْفَتْوَى إلَّا أَنْ يُرَادَ طَرِيقُ التَّقْوَى كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَشَأْنُ السَّالِكِ) إلَى اللَّهِ (الِاجْتِنَابُ مِنْ الْخِلَافِ) فَإِنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ خِلَافَ كُلِّ الْأَئِمَّةِ، إذْ خِلَافُ غَيْرِ مَنْ قَلَّدَهُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ خَطِئَ فِي اعْتِقَادِهِ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ كَقَوْلِنَا إنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ وَمَذْهَبَ غَيْرِهِ خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ، وَالْمُتَوَرِّعُ التَّقِيُّ يَحْتَرِزُ عَنْ هَذَا الِاحْتِمَالِ مَهْمَا قَدَرَ لَكِنَّ قَوْلَهُ وَآيَةُ النِّفَاقِ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ وَلَوْ ظَنًّا فَافْهَمْ (وَالْأَخْذُ بِالْوِفَاقِ) .

قَالَ الْبِسْطَامِيُّ فِي حَلِّ الرُّمُوزِ وَيَجِبُ عَلَى الصُّوفِيِّ أَنْ يُحَصِّلَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَصِحُّ بِهِ عَمَلُهُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ عَلَى الِاتِّفَاقِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015