«وَإِذَا اُؤْتُمِنَ» بِالْمَفْعُولِ وُضِعَ عِنْده أَمَانَةٌ أَمْوَالًا وَأَقْوَالًا لَا سِيَّمَا أَسْرَارًا «خَانَ» . خ م. عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا» أَيْ شَدِيدَ الشَّبَهِ بِالْمُنَافِقِينَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْخِصَالِ لِغَلَبَتِهَا عَلَيْهِ وَمَصِيرِهَا خُلُقًا وَعَادَةً وَدَيْدَنًا لَهُ قِيلَ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ أَرْبَعٌ مُبْتَدَأٌ بِتَقْدِيرِ أَرْبَعُ خِصَالٍ وَإِلَّا فَهُوَ نَكِرَةٌ صِرْفَةٌ وَالشَّرْطِيَّةُ خَبَرُهُ وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ الشَّرْطِيَّةِ صِفَةً وَإِذَا حَدَّثَ خَبَرُهُ. وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ أَرْبَعٌ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ صِفَةٌ لَهُ قَالَ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُجْعَلَ أَرْبَعٌ خَبَرًا مُقَدَّمًا وَمَنْ مُبْتَدَأُ الْخَبَرِ «وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا» يَتْرُكَهَا. عَنْ ابْنِ حَجَرٍ النِّفَاقُ لُغَةً مُخَالَفَةُ الْبَاطِنِ لِلظَّاهِرِ فَإِنْ فِي اعْتِقَادِ الْإِيمَانِ، فَنِفَاقُ الْكُفْرِ وَإِلَّا فَنِفَاقُ الْعَمَلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ «إذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ» أَخْبَرَ عَنْ مَاضِي الْأَحْوَالِ «كَذَبَ» لِتَمْهِيدِ مَعْذِرَتِهِ فِي التَّقْصِيرِ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَلَمْ يَفِ «وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ» نَقَضَ الْعَهْدَ وَتَرَكَ الْوَفَاءَ بِهِ «وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» مَالَ فِي الْخُصُومَةِ عَنْ الْحَقِّ وَقَالَ الْبَاطِلَ فِي الْفَيْضِ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ يُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُ هَذَا بِأَبْنَاءِ زَمَانِهِ لِعِلْمِهِ بِنُورِ الْوَحْيِ بَوَاطِنَ أَحْوَالِهِمْ وَمَيْزَ الْمُخْلِصِ وَالْمُنَافِقِ بِمَا يَخُصُّ الْمُنَافِقَ فِي زَمَانِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَسْمَائِهِمْ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَتُوبُ وَلِأَنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ أَوْقَعُ فِي النَّصِيحَةِ وَأَجْلَبُ لِلدَّعْوَةِ وَأَبْعَدُ عَنْ النُّفُورِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَيُحْتَمَلُ الْعُمُومُ لِلتَّأْكِيدِ فِي الزَّجْرِ إيذَانًا بِأَنَّهَا طَلَائِعُ النِّفَاقِ الَّتِي هِيَ أَسْمَجُ الْقَبَائِحِ فَإِنَّهُ كُفْرٌ مُمَوَّهٌ بِاسْتِهْزَاءٍ وَخِدَاعٍ مَعَ رَبِّ الْأَرْبَابِ فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِذَلِكَ بَالَغَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي شَأْنِهِمْ وَنَعَى عَلَيْهِمْ بِالْخِصَالِ الشَّنِيعَةِ وَمَثَّلَهُمْ بِالْأَمْثَالِ الْقَبِيحَةِ وَجَعَلَهُمْ أَشِدَّاءَ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَعَدَّ لَهُمْ الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ مِنْ النَّارِ فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَوْلَى الْأُمُورِ وَأَحَقُّهَا بِأَنْ يُهَاجَرَ عَنْهَا وَلَا يُؤْتَى مَرَاتِعُهَا فَإِنَّ مَنْ رَتَعَ حَوْلَ حِمَى النِّفَاقِ يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ النِّفَاقِ الْعُرْفِيِّ مِنْ مُخَالَفَةِ السِّرِّ الْعَلَنَ مُطْلَقًا فَيُرَاعِي أُمُورَ الدِّينِ عَلَنًا وَيَتْرُكُ مُحَافَظَتَهَا وَالنِّفَاقُ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّفَقِ وَهُوَ السَّرَبُ الَّذِي لَهُ طَرِيقَانِ وَعَنْ الطِّيبِيِّ أَقْبَحُهَا الْكَذِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10]- وَعَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ قَبِيحٌ فَإِيَّاكَ وَأَنْ تَعِدَ بِشَيْءٍ إلَّا وَتَفِيَ بِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إحْسَانُك لِلنَّاسِ فِعْلًا بِلَا قَوْلٍ فَإِنْ اُضْطُرِرْت إلَى الْوَعْدِ فَاحْذَرْ أَنْ تُخْلِفَ إلَّا بِعَجْزٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمَارَاتِ النِّفَاقِ وَخَبَائِثِ الْأَخْلَاقِ (فَالْوَعْدُ بِنِيَّةِ الْخُلْفِ كَذِبٌ عَمْدٌ حَرَامٌ) فَالْوَفَاءُ بِهِ وَاجِبٌ كَالْفَسْخِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَالتَّوْبَةِ لِلْمُذْنِبِ وَإِذَا وَفَّى ارْتَفَعَ الْإِثْمُ وَإِلَّا يُضَاعَفُ هَذَا إذَا خَلَا عَنْ الْعَوَارِضِ وَالْمَوَانِعِ وَطَبْعُهُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي جَوَازُ الْكَذِبِ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ مَثَلًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015